زيارة قبر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم
إذا كان في زيارة الميِّت من تجديد العهد معه والاِحساس بالقرب منه ما لا
يخفى من الاَثر، وإذا كان في زيارة العظماء إحياءً لروح التأسِّي والاقتداء..
فإنّ ذلك كلُّه أولى أن يكون مع سيِّد البشر وخاتم الاَنبياء صلى الله عليه
وآله وسلم والاَئمة الهداة من أهل بيته الذين أمر بحبِّهم والاقتداء بهم..
وإذا كان في زيارة القبور عائدة ثوابٍ على الزائر، فإنّها في زيارة النبي
وآله أكبر وأكبر.
وفي كلِّ هذه الاَبعاد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعنهم عليهم السلام
حديث كثير، يعلِّمون الاَمّة فيه شيئاً من آداب الاِسلام ومن مفاتح أبواب
الخير.
وربَّما وقع الكلام في أسانيد بعض هذه الاَحاديث، ممّا اضطرنا إلى الاِطالة
نسبياً في مناقشة أسانيد وطرق ما اعتمدناه هنا، حتى إذا حقَّقنا القدر الكافي
من الدلالة على صحّة الاحتجاج بهذه الاَحاديث، مِلنا إلى الاختصار والتركيز.
ونبدأ هنا بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة قبره الشريف:
الحديث الاَول:
قال صلى الله عليه وآله وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»(1).
والكلام أولاً في سند الحديث:
قال الدارقطني: حدّثنا القاضي المحاملي، ثنا عبيد بن محمد الوراق، ثنا موسى
بن هلال العبدي، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الحديث..
وهذا الاِسناد صحيح، رجاله ثقات، بلا خلاف، وإنّما وقع الكلام في عبيدالله بن
عمر، وهو ثقة أيضاً، غير أنّ بعضهم رواه عن عبدالله، أخي عبيدالله، وهو دون
أخيه(2)، وبهذا تمسّك من ذهب إلى تضعيف الحديث.
غير أنّ الثابت في جميع نسخ سنن الدارقطني «عبيدالله» مصغّراً، وهكذا رواه
الدارقطني في غير السنن أيضاً، وكذلك أورده أبو اليمن زيد ابن الحسن في كتابه
( إتحاف الزائر وإطراف المقيم المسافر في زيارة سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ). وهكذا رواه أيضاً الحافظ أبو الحسين القرشي في كتابه
(الدلائل المبينة في فضائل المدينة). وهكذا أيضاً رواه الخلعيّ عن الدارقطني،
وأورده ابن عساكر عن الخلعيّ، كلهم يذكرون «عبيدالله» مصغّراً. فاتفقت
الرواية بهذا الاسناد عن «عبيدالله»(3).
وهكذا في رواية البيهقي بإسناده الذي يلتقي مع إسناد الدارقطني في عبيد بن
محمد الوراق، وفيه «عبيدالله» المصغّر(4).
وعبيدالله هو عبيدالله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، من صغار
التابعين، ولد بعد سنة 70 هـ ، سمع الحديث من سالم بن عبدالله بن عمر،
والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ونافع مولى عمر، وكان ملازماً له، وقد سئل أحمد
ابن حنبل عن مالك بن أنس، وأيوب السختياني، وعبيدالله بن عمر، أيّهم أثبت في
نافع؟ قال: عبيدالله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية(5).
وقد ورد الحديث بنحو هذا اللفظ عن عبدالله بن عمر بن الخطاب من طريق آخر،
أخرجه البزار في مسنده، قال: حدَّثنا قتيبة، ثنا عبدالله بن إبراهيم الغفاري،
ثنا عبدالرحمن بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، قال، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : «من زار قبري حلّت له شفاعتي».
قال الهيثمي: وفيه عبدالله بن إبراهيم الغفاري، وهو ضعيف(6).
والغريب من الحافظ ابن كثير وهو يتصدى لجمع المسانيد والسنن أنه لا
يروي هذا الحديث في مسند ابن عمر إلاّ من هذا الطريق، طريق عبدالله بن
إبراهيم الغفاري، ويترك الطريق الذي اعتمده الدارقطني، والآخر الذي اعتمده
البيهقي(7)، أما محقق كتاب ابن كثير، هذا، فلم يزد على أن أورد
تعليقة الهيثمي في تضعيف الغفاري، دون أن يذكر طريقاً آخر للحديث(8).
وأما
صاحب (موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف) فقد أخرج الحديث بلفظه عن سنن
الدارقطني، و(الكنى والاسماء) للدولابي، و(مجمع الزوائد) للهيثمي، و(تلخيص
الحبير) لابن حجر، و(الدر المنثور) للسيوطي، و(إتحاف السادة المتقين)
للزبيدي، و(كنز العمال) للمتقي الهندي، و(تذكرة الموضوعات) للفتني، و(الدرر
المُنتثرة في الاَحاديث المشتهرة) للسيوطي، و(الكامل في الضعفاء) لابن عدي(9).
ولم يشر إلى رواية البيهقي في (السنن الكبرى) ولا في (شعب الاِيمان) المؤيدة
لرواية الدارقطني، وهما من مصادر كتابه(10).
الحديث بلفظ آخر
وقد جاء بإسناد آخر، وبلفظ مقارب جداً للاَول، وفيه «عبيدالله» المصغر أيضاً:
قال السبكي: ورواه عن موسى بن هلال جماعة، منهم: جعفر بن محمد البزوري:
قال العقيلي في كتابه: ثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، ثنا جعفر بن محمد لبزوري، ثنا موسى بن هلال البصري، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن
عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من زار قبري فقد وجبت له
شفاعتي» قال السبكي: هكذا رأيته في نسخة «عبيدالله»(11).
غير أنّ الطبعة المحقَّقة من كتاب العقيلي (الضعفاء الكبير) قد جاء فيها
«عبدالله» مكبّراً، دون أن يشار إلى النسخة التي فيها «عبيدالله»(12).
وقد روى بعضهم هذا النصّ عن «عبدالله»، وفيها: «محمد بن إسماعيل بن سَمُرة
الاَحمسي، ثنا موسى بن هلال العبدي، عن عبدالله ابن عمر» بالتكبير، فردّه
جماعة، منهم الحافظ يحيى بن علي القرشي، وذكر أن الصواب «عبيدالله». ومنهم:
الحافظ ابن عساكر، قال:المحفوظ عن ابن سَمُرة «عبيدالله»(13).
ويشهد لذلك كله رواية مسلمة الجهني عن عبيدالله العمري «المصغّر»:
أخرج الطبراني عن مسلمة بن سالم الجهني:حدّثني عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن
سالم، عن ابن عمر، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«من جاءني
زائراً، لا تُعمله حاجة إلاّ زيارتي، كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم
القيامة»(14).
وذكره آخرون بهذا الاِسناد، منهم:يحيى بن علي القرشي، عن الخلعيّ. وصححه سعيد
بن السكن(15). وحديث مسلمة الجهني أخرجه ابن كثير وذكر فيه
«عبدالله» بدل عبيدالله((16).
وأخرجه الهيثمي أيضاً، واكتفى في
التعليق عليه بالقول:فيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف. ومنه يظهر أنّ الذي عند
الهيثمي «عبيدالله» الثقة، ولذا اكتفى بتضعيف مسلمة ولم يذكر عبدالله، ولو
كان قد وقع في إسناده لما ترك ذكره، ولما اكتفى في تضعيف الحديث بتضعيف أحد
رواته دون الآخر.
وضعف مسلمة لا يقدح في كونه قد رواه عن عبيدالله، فلم يكن مسلمة مدلساً، ولا
وضّاعاً، غاية ما في الأمر أنه لم يتقن الحفظ، أو نحو ذلك من أسباب التضعيف.
من كل هذا تصبح الرواية عن «عبيدالله» هي الراجحة، وبعد هذا فإنّ الجمع بين
الروايتين ممكن جداً، فلا مانع من أن يكون بعضهم قد روى الحديث عن عبدالله
مرّة، وعن عبيدالله مرّة أخرى، فهما أخوان عاشا في طبقة واحدة، وكلاهما حدّث
عن نافع، غاية ما في الأمر أن عبيدالله أرفع درجة وأثبت في الحديث من أخيه.
ومع هذا فلم يكن «عبدالله» عندهم ساقط الحديث أو متروكاً، بل فيهم من مدحه
وأثنى عليه:فقد قال فيه أحمد بن حنبل: صالح. وقال أبو حاتم: رأيت أحمد بن
حنبل يحسن الثناء عليه.
وقال ابن عدي: لا بأس به، صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، يكتب حديثه،
وقال: إنه في نافع صالح.
وفي القول الاَخير تزكية خاصة لاَحاديثه عن نافع، وهذا الحديث منها.
وقال ابن عمّار الموصلي: لم يزكِّه أحد إلاّ يحيى بن سعيد.. وقال أحمد بن
يونس: لو رأيت هيأته لعرفت أنّه ثقة.. وقال الخليلي: ثقة، غير أنّ الحفّاظ لم
يرضوا
الحديث دليل على صحته(17).
تلخّص لدينا من هذا البحث أربعة أحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وهي:
1 ـ «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وهو حديث صحيح، أو حسن.
2 ـ «من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي».
3 ـ «من جاءني زائراً، لا تُعمله حاجة إلاّ زيارتي، كان حقّاً عليّ أن أكون
له شفيعاً يوم القيامة».
والاَحاديث الثلاثة مروية عن «عبيدالله» المصغّر بطرق عديدة، ومثلها عن
«عبدالله».
4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زار قبري حلّت له شفاعتي» وهو
المحفوظ من رواية عبدالله بن إبراهيم الغفاري.
وفي الباب حديث خامس عن ابن عمر أيضاً، رواه الدارقطني في سننه وفي
«العلل»، وأحمد في مسنده:
5 ـ عن جعفر بن محمد الواسطي، ثنا موسى بن هارون، ثنا محمد بن حسن الختلي،
ثنا عبدالرحمن بن المبارك، ثنا عون بن موسى، عن أيّوب، عن نافع، عن ابن
عمر، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زارني إلى المدينة
كنت له شفيعاً وشهيداً»(18).
وقال موسى بن هارون، وهو الرجل الثاني في سند الحديث: ورواه إبراهيم
ن ابن معين: صالح ثقة.
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غلب على ضبط الاَخبار والحفظ
للآثار، تقع المناكير في روايته، فلما فحش خطؤه استحق الترك(19).
وهذا غاية ما قيل فيه من التضعيف، غير أنه معارض بما سبق أولاً، وبالخصوص في
أحاديثه عن نافع، ومرودود ثانياً بإخراج مسلم له مقروناً بغيره، في المتابعات(20)،
كما أخرج حديثه أصحاب السنن الاَربعة. وقد أورد له ابن أبي شيبة في مسنده
حديثاً، فقال: هذا حديث حسن الاِسناد(21)
وعلى هذا فالحديث في درجة الصحيح، وإذا انحصرت روايته في «عبدالله» وحده فهو
حديث حسن، لا ينزل عن هذه الدرجة، والعمل بالحديث الحسن مما لا خلاف فيه.
ويشهد لذلك أيضاً ما نقله السبكي عن عبدالحق(22)، قال: رواه
عبدالحق رحمه الله في «الاَحكام الوسطى والصغرى» وسكت عنه، وقد قال في خطبة
«الاَحكام الصغرى» إنه تخيرها صحيحة الاِسناد، معروفة عند النقاد، قد نقلها
الاَثبات، وتداولها الثقات.
وقال في خطبة «الوسطى» وهي المشهورة اليوم بـ«الكبرى»: إن سكوته عن
ابن الحجاج، عن وهب، عن أيوب، عن نافع مرسلاً(23).
هذا
من حيث إسناد الحديث وتوابعه وشواهده.
والكلام ثانياً في
دلالة الحديث:
ولا غموض في دلالة هذا الحديث وشواهده، ولا غبار عليها، فقوله صلى الله عليه
وآله وسلم : «وجبت» أو «حلّت» معناه ثبتت وحقّت ولزمت، وأنه لابدّ منها.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم «وجبت له شفاعتي» أو ما جاء في نحو هذا اللفظ
يعني أن الزائرين سيدخلون لزوماً في من تناله شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم
يوم القيامة، وهذا المعنى يتضمن البشرى بأنّ زائر قبر الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم إذا كان صادقاً في قصده لن يموت إلاّ على الاِسلام. ونعمت
البشرى...
أو أن يراد به الزائر لقبره قربة واحتساباً تناله شفاعة خاصة، غير تلك
الشفاعة العامة التي تنال عموم المسلمين، بسبب الزيارة وبفضلها.
وفي كلا الدلالتين من الفوز والفضل الكبير ما هو جدير في احتلال مكانة مهمة
في اهتمامات المؤمن، وهو يتحرى القربة عند الله والزلفى لديه، انّه لفوز حقيق
أن يتنافس فيه المتنافسون.
الحديث الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زارني بعد موتي كان
كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام، فإنه
يبلغني».
من
حديث الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، رواه الاِمام جعفر الصادق عن
آبائه، عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الشيخ
الطوسي: محمد ابن أحمد بن داود(24)عن أبي أحمد إسماعيل بن عيسى بن
محمد المؤدب(25)، قال: حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن عبدالله القرشي(26)،
قال: حدَّثنا محمد بن محمد بن الاَشعث بن هيثم بمصر(27)، قال:
حدَّثنا أبو الحسن موسى(28)
بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين عليه السلام قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه
محمد بن علي، عن علي عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: «من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ فيحياتي، فإن لم تستطيعوا،
فابعثوا إليّ بالسلام فإنه يبلغني»(29).
وهذا حديث إسناده جيد، فهو حديث حسن إن لم يكن صحيحاً، لعدم التصريح بوثاقة
إسماعيل المؤدّب وإبراهيم القرشي، فهو حديث قائم بنفسه صالح للاحتجاج على ما
تضمنه من استحباب زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وله شواهد
الاَول: شاهد قوي من حديث حاطب بن أبي بلتعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه قال: «من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي».
رواه الدارقطني عن أبي عبيد، والقاضي أبي عبدالله، وابن مخلّد، قالوا: ثنا
محمد بن الوليد البسري، ثنا وكيع، ثنا خالد بن أبي خالد وأبو عون، عن الشعبي
والاَسود بن ميمون، عن هارون بن قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب رضي الله
عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زارني بعد موتي
فكأنّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بُعثَ من الآمنين يوم القيامة»(30).
وهكذا رواه البيهقي في (السنن) و(شعب الاِيمان) والشوكاني في (نيل الاَوطار)(31).
وقد جاء الحديث بهذا الاِسناد المضاعف في كثير من مراتبه، معرّفاً بالرجل من
آل حاطب، أخرجه ابن عساكر بالاِسناد نفسه: ثنا وكيع بن الجراح، عن خالد وابن
عون، عن هارون بن قزعة مولى حاطب، عن حاطب(32).
وعن هذا الحديث قال الذهبي: إنّه أجود أحاديث الزيارة إسناداً. وأقرّه
السخاوي في «المقاصد الحسنة» والسيوطي في «الدرر المُنتثرة»(33).
والثاني: حديث الاِمام علي عليه السلام أيضاً: أخرجه أبو الحسين يحيى بن
الحسن ابن جعفر الحسيني في كتاب «أخبار المدينة» قال: ثنا محمد بن إسماعيل،
حدَّثني أبو أحمد الهمداني، ثنا النعمان بن شبل، ثنا محمد بن الفضل سنة ست
وسبعين، عن جابر، عن محمد بن علي، عن علي عليه السلام ، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : «من زار قبري بعد موتي
فكأنّما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فكأنّما جفاني»(34).
فالحديث شاهد قوي للاَول، وإنّما جاءه ضعف الاِسناد من النعمان ابن شبل.
الثالث: حديث أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «من
زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حي، ومن زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم
القيامة»(35).
وفي الباب ما أخرجه أبو داود بإسناده عن سوار بن ميمون، عن رجل من آل عمر، عن
عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من زار
قبري» أو قال: «من زارني كنت له شفيعاً» أو قال: «شهيداً» الحديث(36).
وأخرجه الدارقطني والبيهقي أيضاً(37).
وسوار بن ميمون روى عنه شعبة، ورواية شعبة عنه دليل على وثاقته عنده، كما هو
الاَصل عند شعبة.
بقي الكلام في جهالة «رجل من آل عمر» والاَمر فيه ـ كما يقول السبكي ـ قريب،
لا سيما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين(38).
ومن طريق آخر: ثنا هارون بن قزعة، عن رجل من آل الخطاب، عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال: «من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة».
أخرجه البيهقي في «شعب الاِيمان» والعقيلي في «الضعفاء الكبير».
وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات(39). وحين ذكره العقيلي في
الضعفاء لم يزد عن أن نقل فيه قول البخاري: لا يتابع عليه(40).
وقد قيل إنّ في هذا الاِسناد تصحيفاً، فهو «رجل من آل حاطب»(41).
كالذي أوردناه أولاً عن الدارقطني من رواية هارون بن قزعة نفسه عن رجل من آل
حاطب، عن حاطب.
الحديث الثالث:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له
شفيعاً وشهيداً».
من حديث أنس بن مالك، أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي وابن الجوزي والشوكاني
وغيرهم.
قال ابن أبي الدنيا: حدّثني سعيد بن عثمان الجرجاني، ثنا محمد بن إسماعيل ابن
أبي فديك، أخبرني أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك، أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له
شفيعاً وشهيداً يوم القيامة» وفي رواية: «كنت له شهيداً» أو قال: «شفيعاً».
نقل ابن الجوزي حديث ابن أبي الدنيا هذا في كتابه «مثير العزم الساكن إلى
أشرف الاَماكن» ومن خطه نقله السبكي(42).
وأخرجه البيهقي بإسناده ويلتقي مع الاَول في إسماعيل بن أبي فديك، عن سليمان
بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
: «من مات في أحد الحرمين بُعثَ من الآمنين يوم القيامة، ومن زارني محتسباً
إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة»(43).
وللحديث إسناد آخر، فيه: أبو عوانة موسى بن يوسف القطّان، ثنا عباد بن موسى
الختلي، ثنا ابن أبي فديك، عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك، مطابقاً
للنصّ الاَول.
فدارت الطرق الثلاثة على ابن أبي فديك، وسليمان بن يزيد الكعبي، فأمّا سليمان
الكعبي، وهو التابعي الراوي عن أنس، فقد طعن عليه أبو حاتم الرازي، فقال:
منكر الحديث، ليس بقويّ، غير أن ابن حبان ذكره في الثقات(44).
وأمّا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فهو مجمع على وثاقته(45).
ومن هنا فإنّ هذا الحديث لا يهبط عن درجة الحسن الغريب.
وله بعد ذلك شواهد، منها:
1 ـ حديث الاِمام جعفر الصادق عليه السلام بإسناده، قال: قال رسول الله عليه
السلام : «من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة»(46).
2 ـ حديث ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني في
مماتي كان كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم
القيامة شهيداً ـ أو قال ـ شفيعاً»، أخرجه العقيلي(47).
3 ـ حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني إلى
المدينة كنت له شهيداً ـ أو ـ شفيعاً». أخرجه الدارقطني في السنن(48).
الحديث الرابع:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي،
فكأنّما زارني في حياتي». أخرجه الدارقطني في «السنن» من حديث مجاهد عن ابن
عمر(49)، وبالاِسناد نفسه أخرجه: البيهقي والطبراني، وأبو يعلى،
وابن عساكر، والشوكاني(50)، كلُّهم بالاِسناد عن: أبي الربيع
الزهراني، عن حفص بن أبي داود، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم .
وليس في أحد من رجال إسناد هذا الحديث من كلام، فأمّا حفص بن أبي داود، وهو
حفص بن سليمان القارىء صاحب القراءة المعتمدة عند سائر المسلمين، والمعروفة
بـ«قراءة حفص عن عاصم» فهو أخص الناس بعاصم بن أبي النجود شيخ أصحاب
القراءات.
وقد مال بعض أهل الجرح والتعديل إلى تضعيف عاصم في الرواية، وهو أمر
مستغرب، إذ كيف اعتمدوا بكل اطمئنان وبالاِجماع، راويته لقراءة القرآن كلّه
عن عاصم، ثمَّ يعدّونه في الضعفاء في رواية الحديث؟!
فقد ذكره ابن عدي في الضعفاء، قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث: تفرّد به
عاصم، وهو ضعيف.
وضعّفه ابن حبّان أيضاً(51).
وهنا مسألتان:
الاَولى: إنّ الضعف المنسوب إلى حفص بن سليمان لا يتجاوز حدود الضبط، أو
الرواية عن الضعفاء، لكنه قد أسند هذا الحديث إلى ثقات مجمع على وثاقتهم عند
أهل الجرح والتعديل: ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر. وبه تزول الشبهة
الثانية، أمّا الاَولى فإنّها مهما بلغت فلا تصل إلى درجة الكذب والوضع، كيف
وقد أجمعوا على قبول روايته قراءة عاصم وأطبقت عليه الاَمّة؟
والمسألة الثانية: إنّ ابن حبّان ذكر رجلين باسم حفص بن سليمان، أحدهما
المقرىء وهو هذا، والآخر حفص بن سليمان، وهو ابن أبي داود المذكور في
الاَسناد، وهو ثقة ثبت.
قال السبكي: فإن صحّ مقتضى كلام ابن حبّان زال الضعف المذكور(52).
ثمَّ إنّ هذا التضعيف الوارد في حفص المقرىء مردود مرّةً أخرى، بغير الاِجماع
على أخذ قراءته، فقد دفع عنه الضعف أحمد بن حنبل في روايتين عنه:
ـ قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن حفص بن سليمان المنقري ـ وهو
المقرىء ـ فقال: هو صالح.
ـ وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبدالله (أحمد بن حنبل): ما كان بحفص بن
سليمان المنقري بأس.
وللحديث متابعات:
لم
يتفرّد حفص بهذا الحديث كما وهمه البيهقي، فقد ورد الحديث عن ليث بن أبي
سليم، عن مجاهد عن ابن عمر من طريق آخر عن سبط ليث بن أبي سليم وزوجته: قال
سبطه الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم: حدّثتني جدّتي عائشة بنت يونس امرأة
الليث، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : «من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي»(53).
وبهذه الرواية يزول كل ضعف ينسب إلى الحديث، والاختلاف الوارد في اللفظ بين:
«من حجّ فزار قبري» كما في رواية حفص، وبين «من زار قبري» لا تمس في دلالة
الحديث على استحباب زيارة قبره الشريف وفضيلتها، والنص بعدها متطابق تماماً.
وللحديث شواهد، منها:
1 ـ حديث النعمان بن شبل، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني»، ذكره
ابن عدي وقال: لا
علم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل، ولم أرَ في أحاديثه (يعني عن مالك)
حديثاً غريباً قد جاوز الحد فأذكره(54).
وأخرجه الدارقطني في (أحاديث مالك بن أنس الغرائب التي ليست في الموطّأ) وهو
كتاب ضخم(55).
وهكذا تتعاضد الاَحاديث، وفيها صحاح وحسان بملاحظة المتابعات والشواهد، في
الدلالة على استحباب زيارة قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ما
فيها من فضل كبير.
2 ـ حديث الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : رواه الكليني، عن علي بن محمد بن
بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي حجر
الاَسلمي، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : «من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة،
ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة، ومن
مات في أحد الحرمين، مكة والمدينة(56)، لم يعرض ولم يحاسَب، ومن
مات مهاجراً إلى الله عزّوجل حُشر يوم القيامة مع أصحاب بدر»(57).
وعنه روى الشيخ الطوسي في (التهذيب) شطر الحديث، بالاِسناد نفسه عن أبي
عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من أتى
مكة حاجّاً ولم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت
له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له
الجنّة»(58).
وروى الطوسي متابعاً له: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسين، عن
أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبان، عن السندي، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال: قال رسول الله عليه السلام : «من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة»(59).
في حديث أهل
البيت عليهم السلام
بعد أن قرأنا جملةً من الحديث النبوي الشريف في زيارة القبر الشريف، نقرأ في
حديث أهل البيت عليهم السلام بعض ما جاء في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم ،
ثمّ بعض ما جاء في زيارتهم عليهم السلام .
أوّلاً: في زيارة قبر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة:
1 ـ
حديث الاِمام عليٍّ عليه السلام :
قال الاِمام علي عليه السلام : «من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم كان في جواره»(60).
ـ وفي حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يشهد لهذا الحديث
ويوافقه:
رواه الشيخ الطوسي، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن سلمة، عن علي بن
سيف بن عميرة، عن طفيل بن مالك النخعي، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن
سليمان، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني في حياتي
وبعد موتي، كان في جواري يوم القيامة»(61).
2 ـ حديث الاِمام جعفر الصادق عليه السلام:
رواه الشيخ الطوسي بالاِسناد عن الحسن بن الجهم، عن الاِمام أبي الحسن الكاظم
عليه السلام قال: «جاء الاِمام الصادق عليه السلام يوم عيد الفطر إلى قبر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلم عليه، ثمَّ قال: قد فَضَلْنا الناس
ليوم بسلامنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(62).
3 ـ وحديثه عليه السلام : «مرّوا بالمدينة فسلِّموا على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من قريب، وإن كانت الصلاة تبلغه من بعيد»(63).
4 ـ وحديثه عليه السلام : «صلّوا إلى جانب قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وإن كانت صلاة المؤمنين تبلغه أينما كانوا»(64).
وقوله عليه السلام في أول الحديث: «صلّوا» يريد الصلاة على النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ، بقرينة ما بعدها.
5 ـ حديث الاِمام الكاظم عليه السلام :
رواه
الشيخ الطوسي مسنداً، قال: أتى هارون المدينة المنورة ومعه عيسى بن
جعفر، فاستدعى الاِمام موسى الكاظم لصحبته، فقصدوا قبر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فتقدم هارون فسلّم عليه وقال: «السلام عليك يا رسول الله،
السلام عليك يا ابن عمّ» فتقدم الاِمام الكاظم فقال: «السلام عليك يا رسول
الله، السلام عليك يا أبه، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن
يصلّي عليك» فقال هارون لعيسى: سمعتَ ما قال! قال: نعم، قال هارون: أشهد أنّه
أبوه حقّاً(65).
6 ـ حديث الاِمام الجواد عليه السلام:
قال الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد
بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر
الثاني عليه السلام عمن زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاصداً، قال: «له
الجنّة»(66).
وسيأتي في «آداب الزيارة» عنهم عليهم السلام ما يستدل به أيضاً على استحباب
زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وحثهم عليها وتذكيرهم بفضيلتها.
ثانياً: في زيارة مراقدهم
عليهم السلام :
في
حديث أهل البيت عليهم السلام من الحث على زيارة مراقدهم والترغيب فيها
والتذكير بحكمتها وعوائدها ما يغني المحتاج، وهذه طائفة منتخبة منها:
1 ـ من حديث الاِمام علي عليه السلام : رواه الشيخ الطوسي عن محمد بن أحمد
بنعن محمد بن علي بن الفضل، قال: أخبرني الحسين بن محمد الفرزدق، قال:
حدَّثنا علي بن موسى بن الاَحول، قال: حدَّثنا محمد بن أبي السري إملاءً،
قال: حدَّثني عبدالله بن محمد البلوي، قال: حدَّثني عمارة بن زيد، عن أبي
عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمد عليه
السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر
تربته؟
قال: «يا أبا عامر، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليه السلام :
انّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: والله لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن
بها، فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا
أبا الحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من
عرصاتها، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم،
وتحتمل المذلّة والاَذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم
إلى الله، [و] مودّةً منهم لرسوله، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي،
والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنّة...» الحديث(67).
ولعل في هذا الاِسناد ضعف من جهة البلوي وعمارة بن زيد، ولكن في الاَحاديث
التالية ما يعضده ويقويه..
2 ـ من حديث الاِمام الحسن السبط عليه السلام : عن سعد بن عبدالله الاَشعري،
عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن
جدّه الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام
، قال: «بينا الحسن بن علي عليه السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم إذ رفع رأسه فقال: يا
أبه، ما لمن زارك
بعد موتك؟ فقال: يا بني، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك
زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن
أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة»(68).
وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة هم من كبار أئمة الحديث وحفاظه ونقاده: الاَول
طرف الاِسناد الاَقصى، عبدالله بن سنان، والثاني والثالث، هما طرفه الاَدنى،
سعد ابن عبدالله الاَشعري، وأحمد بن محمد بن عيسى.
وأمّا ما جاء في تضعيف محمد بن خالد البرقي، فليس بقادح فيه بعد العلم بما
أقرّوا به من منزلة البرقي في العلم والاَدب والمعرفة بالاَخبار وعلوم العرب(69)،
هذا أولاً، وثانياً بعد معرفة أنّ أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن رجل متهم،
ولا يتساهل في الرواية عن الضعفاء والمتهمين، فكان لا يروي إلاّ عمّن يعتقد
وثاقته. وهو يعدّ شيخ القميين ووجههم وفقيههم، غير مدافع(70).
ومن أجل هذا أيضاً يشفع الضعف المروي في الحسن بن راشد(71).
وبعد هذا فالحديث مشفوع بالحديث الآتي أيضاً، وهو مطابق له متناً.
3 ـ من حديث الاِمام الحسين السبط عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن
محمد بن الحسن الكوفي، قال: حدَّثنا محمد بن علي بن معمر، قال: حدّثنا محمد
بن مسعدة، قال: حدّثني عبدالرحمن بن أبي نجران، عن علي بن شعيب، عن أبي
عبدالله الصادق عليه السلام ، قال: «بينا الحسين عليه السلام قاعدٌ في حجر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ذات
يوم، إذ رفع رأسه إليه فقال: يا أبه، قال: لبيك يا بني، قال: ما لمن أتاك بعد
وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك؟ قال: يا بني، من أتاني بعد وفاتي زائراً
لا يريد إلاّ زيارتي فله الجنّة، ومن أتى أباك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ
زيارته فله الجنّة، ومن أتى أخاك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ زيارته فله
الجنّة، ومن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك فله الجنّة»(72).
4 ـ من حديث الاِمام الباقر عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن
محمد بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق وغيره من الشيوخ،
عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثني الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي
أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «مروا شيعتنا
بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر،
ويدفع مدافع السوء. وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالاِمامة من الله»(73).
5 ـ من حديث الاِمام الصادق عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن
محمد ابن علان، عن حميد بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يزيد، عن علي
ابن الحسن، عن عبدالرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: «لو أن
أحدكم حجّ دهره ثمَّ لم يزر الحسين بن علي عليهما السلام لكان تاركاً حقّاً
من حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لاَنّ حق الحسين عليه السلام
فريضة من الله تعالى واجبة على
كل
مسلم»(74).
ولا ريب في أن تكون لزيارة الاِمام الحسين عليه السلام مثل هذه المزية، ذلك
أنّ للحسين عليه السلام خصوصية فريدة، في دوره الفريد في تاريخ الاِسلام،
فلقد كان في حركته العظمى من أجل إحياء الدين وكشف أسطورة السلاطين العابثين،
تجسيداً حياً للفاروق الاَعظم الذي لم يدع برزخاً بين الولاء الحق لرسالة
السماء الصافية، وبين التحايل على الدين لدى طائفة الحكام وحواشيهم، والذل
والخنوع والرضا بالدون لدى سائر الناس.. لذا فإنّ زيارته التي تستحضر هذا
البعد الاَساس، هي مصداق الولاء لله ولرسوله ولاَوليائه ولدينه الحنيف، من
ناحية، ومصداق البراءة من سلاطين الجور وشياطين الاَنس من ناحية أخرى.
ومن هنا أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام من الحث على زيارته، وافرادها
بفضائل خاصة قد لا نجد نظيرها في ما ورد في زيارة غيره من الاَئمة عليهم
السلام(75).
ونجد البعد الاَساس في الزيارة المتمثل في الاعتراف بالحق وتجديد العهد وأداء
الاَمانة، صريحاً في حديث الاِمام الرضا عليه السلام الآتي:
6 ـ من حديث الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود،
عن أبيه، قال: حدّثنا محمد بن السندي، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن الحسين
النيسابوري، عن عبدالله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت أبا
الحسن الرضا عليه السلام يقول: «إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم،
وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاَداء، زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في
زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة».
هذه هي فلسفة الزيارة في أوجز عبارة.
(1)
سنن الدارقطني 2 : 278|194، السنن الكبرى| البيهقي 5 : 245، شعب الاِيمان|
البيهقي 3 : 49، الاَحكام السلطانية| الماوردي: 109، نيل الاَوطار| الشوكاني
5: 108.
(2) هو عبد الله بن عمر بن حفص، بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو
عبد الرحمن العمري، خرج مع محمد ذي النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن المثنى
في ثورته على المنصور، فحبسه المنصورأخرجه عنه، توفي سنة 171 وقبل 173هـ.
ويأتي الكلام في أقوال أهل الجرح والتعديل فيه لاحقاً.. تهذيب التهذيب 5 :
285 ـ 286.
(3)
انظر: شفاء السقام|السبكي :2 ـ الطبعة الثانية|حيدر آباد الدكن ـ 1402|1982.
(4)
شعب الاِيمان|البيهقي 3 : 490.
(5)
سير أعلام النبلاء 6 : 304 ـ 305.
(6)
مجمع الزوائد 4 : 2.
(7)
انظر: جامع المسانيد والسنن 28 : 130|244.
(8)
جامع المسانيد والسنن 28 : 130.
(9)
موسوعة أطراف الحديث 8 : 286.
(10)
انظر: المصدر نفسه 1 : 21 رقم 145 و 146.
(11)
شفاء السقام:6.
(12)
الضعفاء الكبير 4 : 170 ترجمة موسى بن هلال، وشفاء السقام ـ الطبعة الرابعة
(محققة) :70.
(13)
شفاء السقام :8.
(14)
المعجم الكبير| الطبراني 12 : 255|13149.
(15)
انظر:شفاء السقام :16 ـ 20 الحديث الثالث.
(16)
جامع المسانيد والسنن 28 : 259|513.
(17)
تهذيب التهذيب، 5 : 285|564.
(18)
شفاء السقام :9.
(19)
تهذيب التهذيب 5 : 285|564.
(20)
وهو عبدالحق بن عبدالرحمن الاَندلسي الاِشبيلي، ابن الخرّاط. وصفه الذهبي
بالاِمام الحافظ البارع المجوّد العلاّمة، كان فقيهاً حافظاً، عالماً بالحديث
وعِلله، عارفاً بالرجال. له مصنّفات متقنة في الاَحكام والحديث وغيرها. توفي
سنة 580هـ (سير أعلام النبلاء 21 : 189 ـ 199).
(21)
شفاء السقام: 10 ـ 11.
(22)
مسند أحمد 2 : 74، سنن الدارقطني 3 : 287|194، وشفاء السقام :29 عن «العلل»
للدارقطني.
(23)
شفاء السقام :29.
(24)
شيخ القميين في وقته، ولم يُرَ أحد أحفظ ولا أفقه ولا أعرف بالحديث منه. رجال
النجاشي: 384 رقم1045.
(25)
لم يذكر بتضعيف ولا توثيق. معجم رجال الحديث 3 : 164.
(26)
لم يذكر بتضعيف ولا توثيق. معجم رجال الحديث 1 : 285 رقم269.
(27)
ثقة سكن مصر. رجال النجاشي: 379 رقم1013.
(28)
من أصحاب التصانيف، له كتاب (جامع التفاسير) وكتاب (الوضوء). رجال النجاشي
410|1019
(29)
تهذيب الاَحكام| الشيخ الطوسي 6 : 3|1.
(30)
سنن الدارقطني 2 : 287|193.
(31)
السنن الكبرى 5 : 245، شعب الاِيمان 3 : 488، نيل الاَوطار 5 : 108.
(32)
مختصر تاريخ دمشق| ابن منظور 2 : 406.
(33)
المقاصد الحسنة :413، الدرر المُنتثرة :173، شفاء السقام الطبعة الرابعة
المحقّقة :103 هامش 3.
(34)
عن شفاء السقام: 39 الحديث الرابع عشر، وأخرجه عبدالملك النيسابوري الخركوشي
في شرف المصطفى: 421 و 466.
(35)
شفاء السقام :35 ـ 36 الحديث العاشر.
(36)
سنن أبي داود 1 : 12.
(37)
سنن الدارقطني 2 : 278|193، السنن الكبرى| البيهقي 5:245.
(38)
شفاء السقام :30.
(39)
الثقات| ابن حبان 7 : 580.
(40)
الضعفاء الكبير 4 : 361 رقم 1973.
(41)
انظر: شفاء السقام :32.
(42)
شفاء السقام: 36 ـ 37 ـ الحديث الحادي عشر.
(43)
شعب الاِيمان 3 : 490|4158. ونيل الاَوطار| الشوكاني 5 : 109، والتاج الجامع
للاَصول 2 : 190.
(44)
الثقات| ابن حبّان 6|395.
(45)
روى عنه الشافعي وأحمد والحميدي وغيرهم من هذه الطبقة، وأخرج حديثه الستة.
(تهذيب التهذيب 9 : 52|62).
(46)
الكافي| الكليني 4 : 548|3 كتاب الحج، أبواب الزيارات، باب زيارة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم .
(47)
الضعفاء الكبير| العقيلي 3 : 457.
(48)
سنن الدارقطني 2 : 278|194.
(49)
سنن الدارقطني 2 : 278|192.
(50)
السنن الكبرى| البيهقي 5 : 246، المعجم الكبير 12 : 310|13497، مختصر تاريخ
دمشق 2 : 406، نيل الاَوطار525
: 108.
(51)
الكامل في الضعفاء 3 : 789 ـ 790، السنن الكبرى 5 : 246، المجروحين| ابن
حبّان 2 : 250.
(52)
شفاء السقام: 24 ـ 25.
(53)
شفاء السقام:25.
(54)
أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير 12 : 406|13496، وفي حاشية أخرجه المحقق عن
المعجم الاَوسط أيضاً: 1 : 201|157.
(55)
الكامل لابن عدي: 7 رقم 2480 ترجمة النعمان بن شبل.
(56)
شفاء السقام :27 ـ 28 الحديث الخامس.
(57)
أي وهو يؤدّي مناسك الحجّ قربة إلى الله تعالى.
(58)
الكافي| الكليني 4 : 348|5.
(59)
تهذيب الاَحكام 6 : 4|5.
(60)
تهذيب الاَحكام 6 : 4|4.
(61)
نيل الاَوطار| الشوكاني 5 : 109، مختصر تاريخ دمشق| ابن منظور 2 : 406.
(62)
تهذيب الاَحكام 6 : 3|2.
(63)
تهذيب الاَحكام 6 : 17 ـ 18|19.
(64)
الكافي 4 : 553|7، تهذيب الاَحكام 6 : 7|4.
(65)
الكافي 4 : 552|5.
(66)
تهذيب الاَحكام 6 : 6|3، تاريخ بغداد 13 : 31، وفيات الاَعيان 5 : 309، سير
أعلام النبلاء 6 : 273.
(67)
تهذيب الاَحكام 6 : 14|9.
(68)
تهذيب الاَحكام 6 : 22|7.(1) تهذيب الاَحكام 6 : 20|1، و40|1.
(69)
انظر: رجال النجاشي: 335| رقم 898.
(70)
انظر: رجال النجاشي: 81 ـ 82 رقم 198.
(71)
رجال النجاشي: 38 رقم 76. (1) تهذيب الاَحكام 6 : 21|5، و40|2.
(72)
تهذيب الاَحكام 6 : 42|1.
(73)
تهذيب الاَحكام 6 : 42|2.
(74)
انظر: تهذيب الاَحكام 6 : 42 ـ 52 باب 16.
(75)
تهذيب الاَحكام 6 :78 ـ 79. |