في عاشوراء عام (61 هـ) ، شهدت الأرض (كربلاء على وجه التحديد)
أخطر عملية إرهابية مروعة ، كان ضحيتها سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة ،
سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) ، أسست للإرهاب السلطوي الذي امتد ، بمرور
الزمن ، لجماعات العنف والإرهاب والتطرف ، التي تتلبس بلبوس الإسلام وتوظف قيمه
النبيلة لتحقيق أغراضها الدنيئة ، وليحصد أرواح الأبرياء على مدى قرابة أربعة عشر
قرنا .
لقد لخص الحسين (ع) جوهر رسالته ، بقوله عليه السلام ؛ (إني لم اخرج أشرا ولا بطرا
ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف
وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، أصبر
حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين) .
إنه الإصلاح الذي تحتاجه الأمة كلما شهدت في حياتها إنحرافا أو زيغا عن طريق الصواب
، أو كلما حاولت السلطة (المفروضة على الناس بالإكراه ، أو المنتخبة من قبلهم ، لا
فرق) تسخير القيم النبيلة ، لخدمة أغراض أنانية لا تخدم الناس ، ولا تساهم في عملية
النهوض والبناء والتنمية .
والإصلاح ، الذي هو جوهر رسالة الحسين (ع) ، مسؤولية ، والمسؤولية لا يتصدى لها
المرء بالإكراه أبدا ، لأن الإكراه عنف ، والعنف مرفوض في الإسلام ، بنص القرآن
الكريم الذي يقول ؛ (لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي) .
وبالنسبة إلى عهد الحسين (ع) ، فإن الانحراف الذي كان بحاجة إلى الإصلاح ، تلخص في
ثلاثة مستويات :
الأول ــ الانحراف في القيادة ، عندما تبوأ مقعد
السلطة ، طاغية أرعن متحلل مستبد بنظام شمولي ، هو يزيد بن معاوية ، الذي ما دخل
الإيمان في قلبه طرفة عين أبدا ، والذي وصفه الإمام الحسين (ع) ، بقوله لواليه على
المدينة المنورة عندما طلب منه البيعة ؛ (أيها الأمير ، إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن
الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم ، ويزيد فاسق ، فاجر ، شارب
الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله) ، وإذا
بهذا اليزيد ، يتبوأ منصب خليفة رسول الله (ص) بإرادة ملكية سامية ، ما أنزل الله
بها من سلطان ، صدرت عن أبيه معاوية بن أبي سفيان ـ ابن آكلة الأكباد ـ الذي حول
الخلافة ، من الشورى إلى ملك عضوض يتلاقفه صبيان بني أمية (الشجرة الخبيثة) ، كما
صرح هو بذلك .
فعندما يتبوأ طاغوت ، مقعدا ليس له أهلا ، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية
القانونية ولا حتى من الناحية الواقعية ، يلزم على الأحرار التصدي لمسؤولية الإصلاح
لإعادة الأمور إلى نصابها ، وإن كلفهم ذلك ، دماءهم وحياتهم وكل ما يملكون، كما فعل
ذلك سبط رسول الله الإمام الحسين بن علي (ع) ، وإلا ، فسيكون الأمر كما قال أمير
المؤمنين ، علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو يصف أمثال يزيد بقوله ؛ (ولكني آسى
أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها ، وفجارها ، فيتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ،
والصالحين حربا ، والفاسقين حزبا ، فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام ، وجلد حدا في
الإسلام ، وان منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ) .
الثاني ــ سياسة التمييز الطائفي والعرقي ، التي
انتهجها الحكم الأموي ، فميز في العطاء على أساس الانتماء العرقي والمذهبي ـ إن صح
التعبير ـ كما فرق بين المسلمين على أساس الانتماء القبلي (العشائري) والمناطقي
(الأقاليم) .
فهذا قرار (الخليفة معاوية) يأمر بالنص ؛ (انظروا إلى من قامت عليه البينة ، أنه
يحب عليا وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه) ثم شفع ذلك بنسخة
أخرى تنص على أن ؛ (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ، فنكلوا به واهدموا داره) .
وهو القائل ، حين استولى على العراق ، ونقل بيت المال من الكوفة إلى دمشق ، وزاد في
عطاءات أهل الشام ، وحط من عطاءات أهل العراق ؛ (الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما
آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا لي).
الثالث ــ الاستئثار بالفئ ، والتصرف به كيف يشاء
الحاكم ، وكأنه ، ملك ورثه عن أبيه ، فحرم منه أناس ، وأتخم فيه آخرون ، وأغدقه على
ضمائر باعت آخرتها بدنيا غيرها ، ووهبه لكل أفاك أثيم ، ومنعه عن المحتاجين ، وصرفه
على ملذاته ، في دائرة ضيقة ، شملت الأهل والأقارب وأبناء القبيلة ، وعناصر وأنصار
الحزب الحاكم فقط ، فهذا أحدهم يقول ؛ (إنما السواد ـ يعني العراق ـ بستان لقريش ،
ما شئنا أخذنا منه ، وما شئنا تركناه) ، أما الثاني ، فيقول ؛ (لنأخذن حاجتنا من
هذا الفئ ، وإن رغمت أنوف أقوام) .
وهذه المستويات الثلاثة ، هي الأخطر التي تحتاج ، في كل حين ، إلى الإصلاح بكل
الطرق ، لأنها ، لو تركت لتستمر، فستنتج طاغية ذليل كصدام حسين ، لن يترك السلطة
التي اغتصبها رغما عن أنف الشعب ، إلا بعد أن يدمر كل شئ تدميرا ، ثم يسلم البلاد
والعباد ، إلى الأجنبي المحتل .
والى ذلك أشار الحسين (ع) بقوله : (أيها الناس ، إن رسول الله (ص) قال : من رأى
سلطانا جائرا ، مستحلا لحرام الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله ،
يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول ، كان حقا على
الله أن يدخله مدخله .
ألا وإن هؤلاء ، قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، واظهروا الفساد
وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفئ ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله ، وأنا أحق من
غير).
مشروعية الثورة إذن ، تنبثق من مسؤولية التصدي للإصلاح ، وعلى مختلف الأصعدة ، وفي
عهد الحسين (ع) ، كل شئ كان بحاجة إلى الإصلاح الجذري ، فالسياسة كانت بحاجة إلى
الإصلاح ، والسلطة كذلك ، والاقتصاد والعطاء ، والتصرف في بيت المال ، كذلك ، كان
بحاجة إلى الإصلاح ، كما أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كانت ، هي الأخرى ، بحاجة
إلى الإصلاح .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فإن الحسين (ع) لم ينهض للتصدي لمسؤولية الإصلاح ،
إلا بعد أن :
أولا ــ نكث معاوية بكل الشروط التي تصالح عليها مع
الإمام الحسن بن علي (ع) عندما خطب قائلا (أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج
؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم ،
وقد آتاني الله ذلك وانتم كارهون ، ألا أن كل دم أصيب في هذه مطلول ، وكل شرط شرطته
، فتحت قدمي هاتين).
ومن أهم وابرز الشروط التي نقضها معاوية ، هو شرط أن يكون أمر المسلمين شورى بينهم
، بعد هلاكه ، إلا انه نصب ابنه يزيد ملكا على المسلمين قبل أن يهلك .
ثانيا ــ وصلته مئات الآلاف من الرسائل التي تطالبه
بالتصدي لمسؤولية الإصلاح والتغيير ، والتي اعتبرها الإمام (ع) ، نوع من أنواع
البيعة الشفهية والتحريرية ، كما أشار إليها بقوله (ع) ؛ (وقد أتتني كتبكم ، وقدمت
علي رسلكم ببيعتكم ، وأنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم علي بيعتكم ، تصيبوا
رشدكم ، فإني الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (ص) ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي
مع أهليكم ، فلكم في أسوة) .
ثالثا ــ تيقن من أن الطاغية يزيد ، يدبر له مؤامرة
لاغتياله ، حتى لو كان متعلقا بأستار الكعبة ، وأن من المستحيل فتح باب الحوار بين
الطرفين ، بأية صورة من الصور ، بسبب أن يزيد كان يعتبره الحلقة الأقوى في المجتمع
الإسلامي التي يجب ترويضها طوع البنان ، ليستتب له الأمر في السلطة والخلافة ، لما
كان يمثله الإمام (ع) من امتداد مباشر لرسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص) ،
بالإضافة إلى منزلته عند الناس ، وثقتهم به ، وغير ذلك ، ما يعني عند يزيد ، أن
انتزاع البيعة له من الحسين (ع) يسهل عليه اخذ البيعة من الآخرين ، لما يمثل الإمام
من شرعية ومشروعية ، ولذلك قرر إنتزاع البيعة منه ، طوعا أو كرها ، والى ذلك أشار
الإمام الحسين (ع) بقوله ؛ (ألا وأن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السلة
والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ،
وحجور طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ، لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) .
ولكل ذلك قال يزيد لواليه على المدينة ، الوليد بن عتبة ، في كتابه الذي أمره فيه
بأن يأخذ البيعة من الحسين (ع) ؛ (أما بعد ، فخذ حسينا أخذا ليس فيه رخصة ، حتى
يبايع ، والسلام) .
لقد فهم الحسين (ع) هذه الحقيقة ووعاها جيدا ، عندما قال ؛ (وأيم الله ، لو كنت في
جحر هامة من هذه الهوام ، لاستخرجوني ، حتى يقضوا بي حاجتهم ، والله ليعتدن علي كما
اعتدت اليهود في يوم السبت) ، أو في قوله ؛ (والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه
العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ، سلط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذل من فرام
المرأة) .
لقد استهدف الحسين (ع) بثورته ، الإصلاح بكل معنى الكلمة ، فأراد أولا أن يعيد
تشييد البناء السياسي في الدولة ، على نفس الأسس التي بعث بها رسول الله (ص) في :
أولا ــ الحرية ، فقال وهو يخاطب الجيش الأموي ؛ (إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا
تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم) ، أي أراد أن يستثير قيمة الحرية في
نفوسهم ومشاعرهم ، بعد أن سحقها وصادرها النظام المستبد ، لأنه كان يرى (ع) أن
الإنسان العبد الذي لا يمتلك حريته ، لا يمكنه أن يغير حاله السيئ إلى حال أفضل
أبدا .
ثانيا ــ المساواة ، والمشاركة ، فلقد اشترك في ثورته الكبير والصغير ، المرأة
والرجل ، الشيعي والسني (من هو عثماني الهوى ، كما يصفه التاريخ) ، المسلم والمسيحي
، السيد والعبد ، وكل فئات المجتمع آنئذ ، من دون أن يميز بينهم ، لا على أساس عرقي
، ولا على أساس طائفي أو طبقي ، لأنه (ع) اعتبر أن ثورته ، فرصة لكل من يريد أن
يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، لا يجوز له أن يحرم منها أحد أبدا ، فآثر على نفسه ،
أن لا يغلق هذه الباب بوجه أحد أبدا ، فهو باب رحمة الله ، وسفينة النجاة ، فكيف
يمنع من يريد أن ينجو بنفسه من غضب الجبار يوم يقوم الأشهاد ؟ .
أما رسالة الإرهاب التي سجلتها كربلاء ، فيمكن تلخيصها بما يلي :
أولا ــ التسلط على رقاب الناس بالقوة والإكراه .
ثانيا ــ فرض البيعة تحت حد السيف ، وتخيير الناس بين
البيعة أو القتل ، (بين السلة والذلة) .
ثالثا ــ التزييف ، كوسيلة قذرة لغسل أدمغة الناس ،
تزييف التاريخ والدين والحقائق وكل شئ ، من أجل تبرير الاستبداد والإرهاب وجرائم
الطاغوت .
ومنذ العاشر من المحرم عام (61 هـ) ولحد الآن ، حاول الطغاة ، وكل الأنظمة المستبدة
، إخماد وهج الثورة وتشويه رسالة الحسين (ع) ، والطعن في مبادئها النبيلة ، تارة
بقتل كل من ينادي (يا حسين) وأخرى بالدعاية التضليلية السوداء ، التي صورت السبط
الشهيد ، رجل متمرد خرج على إمام زمانه ، وأنه قتل بسيف جده ، وثالثة بمنع محبيه
وعشاق ثورته ، من زيارة قبره ، لدرجة أن بعضهم حاول المستحيل ، من اجل محو أي أثر
للقبر الشريف ، وكل ذلك ، لأن الحسين (ع) ثورة من اجل الحرية والمساواة والمشاركة
الشعبية الواسعة ، وأن أمة ، تمتلك الحسين (ع) وعاشوراء وكربلاء ، ينبغي أن لا تعيش
ذليلة ومتخلفة بين بقية أمم الأرض وشعوبها .
لقد كان الحسين (ع) ، ولا يزال ، ضحية العنف والإرهاب ، بسبب الاستبداد
والديكتاتورية والأنظمة الشمولية ، التي وظفت كل شئ ـ حتى الدين ـ من أجل تشويه
سمعة الإمام (ع) ، وتلقين الناس بكل ما يخالف الحقيقة والواقع .
أما نظام الطاغية الذليل صدام حسين ، فقد سعى بكل جهده ، من أجل القضاء على كل ما
يمت إلى الحسين (ع) بصلة (اسمه ، رسمه ، قبره ، نهجه ، كلمة تقال بحقه أو عنه ،
شعائره) وكل شئ ، فقتل زواره ، وأعدم محبيه ، واغتال عشاقه ، ومنع كل مظاهر الحزن
والعزاء عليه (ع) ، حتى في اليوم العاشر من المحرم ، من كل عام .
وبكلمة ، إنه حارب الحسين (ع) ، بكل الوسائل والطرق ، تارة باسم التمدن والحضارة ،
وأخرى باسم المجهود الحربي ، وثالثة باسم القضاء على المؤامرات الخارجية ، ــ كما
حصل ذلك في العشرين من صفر المظفر(عام 1977 م) ، ذكرى زيارة أربعين الحسين (ع) ،
عندما حاصر المشاة ، الذين قصدوا كربلاء من مدينة النجف الاشرف ، بالطائرات النفاثة
، والدبابات ، ومختلف صنوف القوات المسلحة ، بحجة إكتشافه ، لتلك المؤامرة المزعومة
، فقتل من قتل ، وأعدم من أعدم ، وسجن من سجن ــ .
وأتذكر يوم كنا صغارا في المرحلة المتوسطة ، كيف كان الأساتذة يهددوننا بالرسوب في
أهم المواد الدراسية ، إذا نقلت لهم العيون ، مشاركتنا في موكب عزاء أو مجلس للحسين
(ع) .
وأتذكر ، يوم كنت صغيرا ، وصرخت بأعلى صوتي في أحد مواكب العزاء الحسيني بين
الحرمين الطاهرين للحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) ، (صلوا على محمد وآل محمد)
، ثم لم أشعر ما حل بي ، حتى أفقت بين يدي معاون مدير أمن محافظة كربلاء ، يسألني
بعصبية ؛ (أأنت الذي صرخت بهذا الشعار الممنوع ؟) أجبته مستغربا ، (نعم ، ولكن
لماذا ممنوع ، الصلاة على محمد وآل محمد ؟ ، وهل في ذلك أي ضرر ؟) ، لكمني ـ وأنا
ابن الرابعة عشرة ـ وقال ؛ (ألا تعلم بأن الصراخ بمثل هذه الشعارات ممنوع ؟ ،
الأوامر مشددة بهذا الخصوص ، أخرج ، واحذر أن أرى وجهك ثانية هنا ، في مكتبي) .
أما المقبور حسين كامل (الأغبى من بين كل من عرفت من أزلام النظام) ، فقد وقف بين
الحرمين الطاهرين للحسين والعباس (عليهما السلام) ، بعد أن قضى على الانتفاضة في
شعبان (آذار) عام (1991 م) ، وخط على الدبابات التي اجتاح واستباح بها المدينة
المقدسة (لا شيعة بعد اليوم) ، وقف بين الحرمين مزهوا ومنتفخا ، وهو يتحدث إلى سيده
وقاتله الطاغية الذليل ، ناقلا إليه مباشرة ، بشرى تفاصيل ما جرى في المدينة :
(سيدي ، أكلمك وأنا الآن أقف بين الصنمين ، هنا ، في كربلاء) .
هل كان رب الحسين غافلا عما يفعل الظالمون ؟ .
كلا وألف كلا ، فإن الله إن يمهل ، فهو لن يهمل أبدا ، هيهات .
وتمر الأيام ، وإذا بالطاغية الذليل ، يستخرج من جوف بالوعة ، أشعث أغبر ، يتنقل
القمل في رأسه العفن النتن ، وزبانيته وأزلامه وأذنابه وعائلته ، يمزقهم الله
تمزيقا ، ويطحنهم طحن الرحى ، وينثرهم في الأرض نثرا ، ويوزعهم (شذرا مذرا) ، بين
قتيل وأسير ومشرد ومختفي ، ليكونوا عبرة لمن يعتبر .
يخطئ من ينوي مواجهة الحسين (ع) بأي شكل من الأشكال ، وبأية أعذار أو حجج أو شعار
أو مسمى ، وفي كل الظروف ، وسيخسر من يشن الحرب على الحسين (ع) ، إن عاجلا أم آجلا
، إذ سيبقى الحسين (ع) شامخا لا يناله أحد أبدا أبدا أبدا .
ولم تخطئ العقيلة زينب بنت علي (ع) أخت الحسين (ع) التي تحدت الطاغية يزيد بن
معاوية ــ المنتصر عسكريا آنئذ ــ في مجلسه وفي عقر داره ، وبحضور وزرائه وقادة
جيشه وضيوفه وزواره ، مفتخرا مزهوا ، بقولها ؛ (وكد كيدك ، واسع سعيك ، فوالله ، لا
تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، وهل جمعك إلا بدد ؟ ، وأيامك إلا عدد ؟ ، وكيدك إلا
فند ؟) ، لأنها كانت تتحدث عن لسان جدها رسول الله (ص) ، الذي قال ؛ (إن للحسين في
قلوب المؤمنين حرارة ، لا تنطفئ أبدا) ، والرسول (ص) يتحدث عن الله تعالى ، الذي
أوحى إليه بقوله عز وجل ؛ (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره، ولو
كره الكافرون) .
فإلى كل الذين يحاربون الحسين (ع) ، أو ينوون محاربته ، أحذركم ، ولكم فيمن سبقكم
عبرة ، والحديث الشريف عن رسول الله (ص) يقول ؛ (العاقل ، من اتعض بتجارب غيره) .
صدق رسول الله (ص) ، والعاقبة للمتقين .
نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM |