مقتبس من مقال: السيد حيدر
الحائري
بسمه تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطيبين الطاهرين المختارين من الله لإمامة عباد الله سبحانه
وتعالى.
إن الأُمَمُ المتمدِّنة المتحضرة في العالم تَعمدُ إلى بناء
قبور شخصياتها ورموزها ليكونوا مناراً للأجيال على مدِّ العصور والأزمنة، وتحافظ
عليها وتحترمها وحتى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم الجندي المجهول وغيره.
ولكن مع الأسف الشديد، فإن الفرقة الوهابية هجموا بكل وحشيّة
وتهكم وشراسة على مراقد أهل البيت (عليهم السلام) ومنتسبيهم في البقيع الطاهر
وهدموا قبابهم المقدسة وساووا قبورهم الطاهرة بالأرض وسحقوها سحقاً وذلك في اليوم
الثامن من شوال 1344هـ فكأنهم قد أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم في السقيفة أو
أسلافهم في كسر ضلع بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) وريحانته وحرق بيتها وهدمهم ركن
الدين وعمود المؤمنين في قتل أمير المؤمنين (عليهم السلام) أو رشق جنازة الإمام
الحسن المجتبى (عليهم السلام) السبط الأكبر للنبي المصطفى أو مع أسلافهم الذين
سحقوا جسد الحسين الشهيد (عليهم السلام) سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول وأجساد
أهل بيته وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.
ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي
(صلى الله عليه وآله) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقد نالوا من
مراقدهم الشريفة وسحقوا قبابها الطاهرة.
محاولين أن يمحوا ذكرهم ويزيلوا حبهم من قلوب مواليهم وطمس
ذكراهم من التاريخ.
ولكن هيهات هيهات أيها الحاقدون على دين رسول الله (صلى
الله
عليه وآله) كلمات قالتها البطلة العظيمة و المجاهدة الشامخة زينب الكبرى بنت علي بن
أبي طالب (عليهم السلام) ليزيد بن معاوية "والله لَن
تَمحُوَ ذِكرَنا" كلمات لازالت أصداؤها تُدَوّي وستظل إلى أن نلقى الله تعالى أحكَم
الحاكِمين.
في اليوم الثامن من شوال 1344هـ هُدِمَت قبور أبناء رسول الله
(صلى الله عليه وآله) و عترته الطاهرة في البقيع، وقبور شهداء أحُد وسيدهم حمزه سيد
الشهداء وقبور غيرهم من الصحابة الكرام، مهدومةً مهجورة ليس هناك سقف يَستظِلّ به
الزائرون، ولا مصباح ولا سراج يستضيء بنوره الوافدون، بمرأى من المسلمين وهم أحق من
غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة، فقد قال رسول الله (صلى
الله عليه
وآله) حُرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، وكم عندنا وعند إخواننا أصحاب مدرسة الخلفاء
من الأخبار المروية في فضل زيارة قبور المؤمنين، وإنّ رسول الله (صلى
الله عليه
وآله) كان يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل:
لِمن القبور الدارسات بطيبة
عفت لها أهل الشقا آثارا
قُل للّذي أفتى بهدم قبورهم
إن سوف تصلى في القيامة نارا
أعَلِمتَ أيَّ مراقد هدمتها؟
هي للملائك لاتزال مزارا
وفي هذا اليوم على وجه الخصوص يتساءل المسلمون لِمَ هذه
المعاملة السيئة مع آل النبي (صلى الله عليه وآله) وهم الذين جعلهم الله تعالى في
المرتبة العليا والدرجة العظمى وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين، وهم وحدهم
يمثلون جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته
وسلوكه.
وأخيراً وليس آخراً أقول بأن لهذه الكلمات بقية في بحث مقبل إن
شاء الله تعالى ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)). سورة الشعراء آية 227.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |