الإمام الصادق (ع) في
سطور
الاسم: جعفر (ع) .
الأب: الإمام الباقر (ع) .
الأم: فاطمة أم فروة، بنت القاسم بن محمد
بن أبي بكر(1).
الكنية: أبو عبد الله، وأبو إسماعيل، وأبو
موسى(2).
الألقاب: الصابر، الفاضل، الطاهر، الصادق،
القائم، الكافل، المنجي(3).
الأوصاف: ربع القامة، أزهر الوجه، حالك
الشعر جعد، أشم الأنف، أنزع رقيق البشرة على خده خال أسود، وعلى جسده خيلان
حمرة (4).
نقش الخاتم: «الله وليي وعصمتي من
خلقه»(5).
مكان الولادة: المدينة المنورة(6).
زمان الولادة: عند طلوع الفجر من يوم
الجمعة(7) 17/ ربيع الأول/ 83 هجري(8).
مدة العمر: 65 سنة (9).
مدة الإمامة: 34 سنة (10).
مكان الشهادة: المدينة
المنورة.
زمان الشهادة: 25/ شوال/
148هجري(11).
القاتل: المنصور العباسي، حيث قتله
بالسم(12).
وسيلة القتل: العنب
المسموم.
المدفن: البقيع الغرقد في المدينة
المنورة، وقد هدم الوهابيون قبره الشريف مع قبور سائر أئمة أهل البيت (ع) في
البقيع.
وقد تتلمذ على يديه وفي جامعته العلمية
أكثر من أربعة آلاف رجل، وقيل عشرون ألفا (13).
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) وأبيه
الإمام الباقر (ع) أكثر الروايات المروية عن أئمة أهل البيت (ع) حيث انتشر
الوعي الإسلامي والفقه المحمدي ببركتهم.
أفقه الناس
سئل أبو حنيفة: من أفقه من رأيت؟
قال: جعفر بن محمد (ع) ، لما أقدمه
المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ
له من مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة.
ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة،
فأتيته فدخلت عليه وجعفر (ع) جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة
لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه، فأومأ إليّ فجلست، ثم التفت إليه
فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.
قال: «نعم أعرفه».
ثم التفت إليّ فقال: يا أبا حنيفة، ألق
على أبي عبد الله من مسائلك.
فجعلت ألقي عليه، فيجيبني، فيقول: «أنتم
تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعناكم وربما
تابعناهم، وربما خالفنا جميعاً»، حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخل منها
بشيء.
ثم قال أبو حنيفة: «أليس إن أعلم الناس
أعلمهم باختلاف الناس؟»(14).
بين يدي الله
عزوجل
عن مالك بن أنس إمام المالكية إنه قال:
كان جعفر بن محمد الصادق (ع) لا يخلو من
إحدى ثلاث خصال: إما صائماً، وإما قائماً، وإما ذاكراً، وكان (ع) من عظماء
العبّاد وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب
المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله (ص) اخضرّ مرة واصفرّ أخرى
حتى ينكره من يعرفه. ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام،
كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل
يا ابن رسول الله، ولابد لك من أن تقول، فقال (ع) : «يا ابن أبي عامر كيف
أجسر أن أقول: (لبيك اللهم لبيك) وأخشى أن يقول عزوجل لي: لا لبيك ولا
سعديك»(15).
من أخلاقه (ع)
الزهد شيمة
الأولياء
دخل على أبي عبد الله الصادق (ع) بعض
أصحابه فرأى عليه قميصاً فيه قب قد رقعه، فجعل ينظر إليه، فقال له أبو عبد
الله (ع) : «ما لك تنظر؟».
فقال: قب ملقى في قميصك.
قال: فقال لي: «اضرب يدك إلى هذا الكتاب،
فاقرأ ما فيه».
وكان بين يديه كتاب أو قريب منه، فنظر
الرجل فيه، فإذا فيه: (لا إيمان لمن لا حياء له، ولا مال لمن لا تقدير له،
ولا جديد لمن لا خلق له)(16).
العفو أقرب
للتقوى
أتى رجل أبا عبد الله (ع) فقال: إن فلاناً
ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلاّ قاله فيك.
فقال أبو عبد الله (ع) للجارية: «ائتيني
بوضوء».
فتوضأ (ع) ودخل.
فقلت في نفسي: يدعو عليه.
فصلى (ع) ركعتين، فقال: «يا رب، هو حقي قد
وهبته، وأنت أجود مني وأكرم فهبه لي، ولا تؤاخذه بي، ولا
تقايسه».
ثم رق فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجب(17).
هكذا الحلم
بعث أبو عبد الله الصادق (ع) غلاماً له في
حاجة فأبطأ، فخرج الصادق (ع) في أثره، فوجده نائماً!.
فجلس (ع) عند رأسه يروّحه حتى
انتبه.
فلما انتبه قال (ع) : «يا فلان، والله ما
ذاك لك، تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار»
(18).
أنتِ حرة لوجه
الله
روي أن سفيان الثوري دخل على الإمام
الصادق (ع) فرآه متغير اللون، فسأله عن ذلك؟
فقال: «كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت،
فدخلت فإذا جارية من جواريّ ممن تربي بعض ولدي قد صعدت في سلم والصبي معها،
فلما بصرت بي ارتعدت وتحيرت وسقط الصبي إلى الأرض فمات، فما تغير لوني لموت
الصبي وإنما تغير لوني لما أدخلت عليها من الرعب».
وقال لها الإمام (ع) : «أنتِ حرة لوجه
الله مرتين لا بأس عليك» مرتين(19).
مع قاطع الرحم
عن سالمة مولاة أبي عبد الله (ع) قالت:
كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) حين حضرته الوفاة وأغمي عليه، فلما
أفاق قال: «أعطوا فلاناً سبعين ديناراً وأعطوا فلاناً كذا وفلاناً كذا».
فقلت: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة يريد
أن يقتلك؟!
قال: «تريدين أن لا أكون من الذين قال
الله عزوجل: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء
الحساب)(20).
نعم يا سالمة، إن الله تعالى خلق الجنة
فطيبها وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع
رحم»(21).
صدقة السر
عن معلّى بن خنيس قال: خرج أبو عبد الله
(ع) في ليلة قد رشّت السماء وهو يريد ظلّة بني ساعدة(22)، فاتبعته فإذا هو قد
سقط منه شيء، فقال: «بسم الله اللهم ردّ علينا».
قال: فأتيته فسلّمت عليه.
فقال: «أنت معلّى؟».
قلت: نعم جعلت فداك.
فقال لي: «التمس بيدك فما وجدته من شيء
فادفعه إليّ».
قال: فإذا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما
وجدت، فإذا أنا بجراب من خبز، فقلت: جعلت فداك أحمله عنك؟
فقال: «لا، أنا أولى به منك، ولكن امض
معي».
قال: فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم
نيام، فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخره، ثم
انصرفنا.
فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء
الحق؟
فقال: «لو عرفوا لواسيناهم بالدقة، والدقة
هي الملح، إن الله لم يخلق شيئا إلا وله خازن يخزنه إلا الصدقة، فإن الرب
تبارك وتعالى يليهما بنفسه، وكان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم
ارتده منه وقبله وشمه ثم رده في يد السائل؛ وذلك أنها تقع في يد الله قبل أن
تقع في يد السائل، فأحببت أن أناول ما ولاها الله تعالى، إن صدقة الليل تطفئ
غضب الرب وتمحق الذنب العظيم وتهون الحساب، وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في
العمر، إن عيسى ابن مريم (ع) لما مر على البحر ألقى بقرص من قوته في الماء،
فقال له بعض الحواريين: يا روح الله وكلمته، لم فعلت هذا هو من قوتك؟ قال:
فعلت هذا لتأكله دابة من دواب الماء وثوابه عند الله العظيم»(23).
طلب المعيشة
عن أبي عمرو الشيباني قال: رأيت أبا عبد
الله (ع) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصاب عن ظهره،
فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك.
فقال لي: «إني أحب أن يتأذى الرجل بحرّ
الشمس في طلب المعيشة»(24).
إنه وفى بعهده
كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الإمام
الصادق (ع) في حجه كل سنة، فينزله أبو عبد الله (ع) في دار من دوره في
المدينة، وطال حجه ونزوله في بيت الإمام (ع) فأعطى الرجل أبا عبد الله (ع)
عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً في المدينة حتى لا يزاحم الإمام بكثرة مجيئه
والبقاء عنده، وخرج إلى الحج.
فلما انصرف من الحج أتى إلى الإمام (ع)
فقال: جعلت فداك اشتريت لي الدار؟
قال: «نعم».
وأتى (ع) بصكّ فيه: «بسم الله الرحمن
الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي، له دار في الفردوس
حدّها الأول رسول الله (ص) والحدّ الثاني أمير المؤمنين (ع) والحدّ الثالث
الحسن بن علي (ع) والحدّ الرابع الحسين بن علي (ع) ».
فلما قرأ الرجل ذلك قال: قد رضيت جعلني
الله فداك.
قال: فقال أبو عبد الله (ع) : «إني أخذت
ذلك المال ففرقته في ولد الحسن والحسين وأرجو أن يتقبل الله ذلك ويثيبك به
الجنة».
قال: فانصرف الرجل إلى منزله، وكان الصك
معه.
ثم اعتل علّة الموت، فلما حضرته الوفاة
جمع أهله وحلّفهم أن يجعلوا الصك معه، ففعلوا ذلك.
فلما أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا
الصك على ظهر القبر مكتوب عليه: «وفى ولي الله جعفر بن
محمد»(25).
هكذا تكون
التوبة
عن أبي بصير قال: كان لي جار يتّبع
السلطان، فأصاب مالاً فاتخذ قياناً، وكان يجمع الجموع ويشرب المسكر ويؤذيني،
فشكوته إلى نفسه غير مرة فلم ينته، فلما ألححت عليه قال: يا هذا أنا رجل
مبتلى وأنت رجل معافى فلو عرّفتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني الله
بك.
فوقع ذلك في قلبي، فلما صرت إلى أبي عبد
الله (ع) ذكرت له حاله.
فقال (ع) لي: «إذا رجعت إلى الكوفة فإنه
سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن محمد: دع ما أنت عليه وأضمن لك على الله
الجنة».
قال: فلما رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى
فاحتبسته حتى خلا منزلي فقلت: يا هذا إني ذكرتك لأبي عبد الله (ع) ، فقال:
«اقرأه السلام وقل له: يترك ما هو عليه وأضمن له على الله
الجنة».
فبكى، ثم قال: الله أقال لك جعفر هذا؟
قال: فحلفت له أنه قال لي ما قلت
لك.
فقال لي: حسبك. ومضى، فلما كان بعد أيام
بعث إليّ ودعاني فإذا هو خلف باب داره عريان، فقال: يا أبا بصير، ما بقي في
منزلي شيء إلا وقد أخرجته وأنا كما ترى.
فمشيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به،
ثم لم يأت عليه إلا أيام يسيرة حتى بعث إليّ أني عليل فأتني.
فجعلت أختلف إليه وأعالجه حتى نزل به
الموت، فكنت عنده جالساً وهو يجود بنفسه، ثم غشي عليه غشية، ثم أفاق فقال:
(يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا)، ثم مات.
فحججت فأتيت أبا عبد الله (ع) فاستأذنت
عليه، فلما دخلت قال ابتداءً من داخل البيت، وإحدى رجليّ في الصحن وأخرى في
دهليز داره: «يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك»(26).
من كراماته ومعاجزه (ع)
عُرضت عليّ
أعمالكم
عن داود بن كثير الرقي أنه قال: كنت
جالساً عند أبي عبد الله (ع) إذ قال لي مبتدئاً من قبل نفسه: «يا داود، لقد
عرضت عليَّ أعمالكم يوم الخميس، فرأيت فيما عرض عليَّ من عملك صلتك لابن عمك
فلان فسرني ذلك، أني علمت أن صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع
أجله».
قال داود: وكان لي ابن عم معاند خبيث
بلغني عنه وعن عياله سوء حال، فصككت له نفقة قبل خروجي إلى مكة، فلما صرت
بالمدينة أخبرني أبو عبد الله (ع) بذلك(27).
مع الحيوان
المفترس
عن أبي حازم عبد الغفار بن الحسن أنه قال:
قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة وأنا معه، وذلك على عهد المنصور، وقدمها أبو عبد
الله جعفر بن محمد العلوي، فخرج جعفر بن محمد الصادق (ع) يريد الرجوع إلى
المدينة، فشيعه العلماء وأهل الفضل من الكوفة، وكان فيمن شيعه سفيان الثوري
وإبراهيم بن أدهم، فتقدم المشيعون له (ع) فإذا هم بأسد على
الطريق.
فقال لهم إبراهيم بن أدهم: قفوا حتى يأتي
جعفر (ع) ، فننظر ما يصنع.
فجاء جعفر (ع) فذكروا له حال
الأسد.
فأقبل أبو عبد الله (ع) حتى دنا من الأسد،
فأخذ بأذنه حتى نحاه عن الطريق، ثم أقبل عليهم فقال: «أما إن الناس لو أطاعوا
الله حق طاعته لحملوا عليه أثقالهم»(28).
اجلس في التنور
روي عن مأمون الرقي قال: كنت عند سيدي
الصادق (ع) إذ دخل سهل ابن حسن الخراساني فسلّم عليه ثم جلس فقال له: يا ابن
رسول الله، لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون
لك حق تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك
بالسيف؟
فقال له (ع) : «اجلس يا خراساني رعى الله
حقك».
ثم قال: «يا حنفية، أسجري التنور»، فسجرته
حتى صار كالجمرة وابيضّ علوّه، ثم قال (ع) : «يا خراساني، قم فاجلس في
التنور».
فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول
الله، لا تعذبني بالنار، أقلني أقالك الله.
قال: «قد أقلتك».
فبينما نحن كذلك، إذ أقبل هارون المكي
ونعله في سبابته، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله.
فقال له الصادق (ع) : «ألق النعل من يدك
واجلس في التنور».
قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في
التنور.
وأقبل الإمام (ع) يحدث الخراساني حديث
خراسان حتى كأنه شاهد لها، ثم قال: «قم يا خراساني وانظر ما في
التنور».
قال: فقمت إليه فرأيته متربعاً، فخرج
إلينا وسلم علينا.
فقال له الإمام (ع) : «كم تجد بخراسان مثل
هذا؟».
فقلت: والله ولا واحداً.
فقال (ع) : «لا والله ولا واحداً، أما إنا
لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم
بالوقت»(29).
سبائك الذهب
عن جمع من أصحاب الإمام الصادق (ع) انهم
قالوا:
كنا عند أبي عبد الله (ع) فقال: «لنا
خزائن الأرض ومفاتيحها، ولو شئت أن أقول بإحدى رجلي: أخرجي ما فيك من الذهب
لأخرجت».
قال: فقال بإحدى رجليه فخطّها في الأرض
خطاً فانفجرت الأرض، ثم قال بيده، فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر، ثم قال: «انظروا
فيها حساً حسناً لاتشكوا ـ ثم قال ـ: انظروا في الأرض»، فإذا سبائك كثير
بعضها على بعض يتلألأ.
فقال له بعضنا: جعلت فداك أعطيتم كل هذا
وشيعتكم محتاجون؟!
فقال: «إن الله سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا
والآخرة يدخلهم جنات النعيم ويدخل عدونا الجحيم»(30).
إحياء الموتى بإذن
الله
عن المفضل بن عمر قال: كنت أمشي مع أبي
عبد الله جعفر بن محمد ? بمكة إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة وهي مع
صبية لها تبكيان.
فقال (ع) لها: «ما شأنك؟».
قالت: كنت أنا وصبياني نعيش من هذه البقرة
وقد ماتت، لقد تحيرت في أمري.
قال: «أفتحبين أن يحييها الله
لك؟».
قالت: أو تسخر مني مع
مصيبتي؟.
قال: «كلا ما أردت ذلك».
ثم دعا (ع) بدعاء، ثم ركضها برجله وصاح
بها، فقامت البقرة مسرعة سوية.
فقالت: عيسى ابن مريم ورب
الكعبة.
فدخل الصادق (ع) بين الناس فلم تعرفه
المرأة (31).
منطق الطير
عن جابر أنه قال: كنت عند أبي عبد الله
(ع) فبرزنا معه فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً ليذبحه فصاح الجدي، فقال أبو عبد
الله (ع) : «كم ثمن هذا الجدي؟».
فقال: أربعة دراهم.
فحلّها من كمه ودفعها إليه وقال: «خل
سبيله».
قال: فسرنا، فإذا بصقر قد انقضّ على
دراجة، فصاحت الدراجة، فأومأ أبو عبد الله (ع) إلى الصقر بكمه فرجع عن
الدراجة.
فقلت: لقد رأينا عجباً من
أمرك؟!
قال: «نعم، إن الجدي لما أضجعه الرجل
ليذبحه وبصر بي قال: أستجير بالله وبكم أهل البيت مما يُراد بي، وكذلك قالت
الدراجة، ولو أن شيعتنا استقامت لأسمعتهم منطق الطير»(32).
في شهادته (ع)
مسموماً
توفي الإمام الصادق (ع) مسموماً شهيداً في
شهر شوال سنة (148هـ)، وقد أطعمه المنصور الدوانيقي العنب المسموم، وكان عمره
الشريف حين استشهاده خمساً وستين سنة، وقيل كان عمره الشريف ثمان وستين
سنة(33).
قال الإمام موسى الكاظم (ع) : «إني كفنت
أبي في ثوبين شطويين(34) كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي
بن الحسين (ع) ، وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً»(35).
وروي عن عثمان بن عيسى عن عدة من أصحابنا
قال: لما قبض أبو جعفر (ع) أمر أبو عبد الله (ع) بالسراج في البيت الذي كان
يسكنه حتى قبض أبو عبد الله، ثم أمر أبو الحسن موسى (ع) بمثل ذلك في بيت أبي
عبد الله (ع) حتى أُخرج به إلى العراق ثم لا أدري ما كان(36).
وعن أبي بصير أنه قال: دخلت على أم حميدة
أعزّيها بأبي عبد الله الصادق (ع) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد
لو رأيت أبا عبد الله (ع) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا
لي كل من بيني وبينه قرابة»، قالت: فلم نترك أحداً إلا جمعناه، قالت: فنظر
إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة»(37).
دررٌ من كلماته (ع)
العمل على
اليقين
قال الإمام الصادق (ع) لحمران بن أعين:
«يا حمران، أنظر من هو دونك في المقدرة، ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة؛
فإن ذلك أنفع لك مما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك عز
وجل.
واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين
أفضل عند الله عزوجل من العمل الكثير على غير يقين.
واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله
عزوجل، والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال
أنفع من القنوع باليسير المجزئ، ولا جهل أضر من العُجب»(38).
هكذا المعاشرة
وقال (ع) : «عليكم بالصلاة في المساجد،
وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس،
إن أحداً لا يستغني عن الناس حياته... والناس لابد لبعضهم من
بعض»(39).
زيارة الأخوان
وقال (ع) : «من زار أخاه لله لا غير،
التماس موعد الله وتنجز ما عند الله، وكّل الله به سبعين ألف ملك ينادونه:
ألا طبت وطاب لك الجنة»(40).
حوائج الناس
وقال (ع) : «اتقوا الله وكونوا إخوة بررة
متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا
وأحيوه»(41).
وقال (ع) : «لأن أمشي مع أخ لي في حاجة
حتى أقضي له، أحب إليّ من أن أعتق ألف نسمة وأحمل على ألف فرس في سبيل الله
مسرجة ملجمة»(42).
كن وصي نفسك
وقال رجل لأبي عبد الله (ع) : أوصني، فقال
(ع) : «أعد جهازك، وقدّم زادك لطول سفرك، وكن وصي نفسك، ولا تأمن غيرك أن
يبعث إليك بما يصلحك»(43).
تحفة الصائم
روي: أن أبا عبد الله (ع) كان إذا صام
يتطيب بالطيب، ويقول: «الطيب تحفة الصائم»(44).
أُولئك أوليائي
وقال (ع) في وصيته لعبد الله بن جندب: «يا
عبد الله، لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلا أولياءنا،
ولقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا».
ثم قال: «آه آه على قلوب حشيت نورا وإنما
كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم والعدو الأعجم، أنسوا بالله
واستوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا وبهم تكشف كل فتنة
وترفع كل بلية.
يا ابن جندب، حق على كل مسلم يعرفنا أن
يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد
منها، وإن رأى سيئة استغفر منها؛ لئلا يخزى يوم القيامة، طوبى لعبد لم يغبط
الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها، طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى
لها، طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة».
ثم قال (ع) : «رحم الله قوما كانوا سراجا
ومنارا، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم، ليس كمن يذيع
أسرارنا.
يا ابن جندب، إنما المؤمنون الذين يخافون
الله ويشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا
وأشفقوا وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا؛ مما أظهره من نفاذ قدرته وعلى
ربهم يتوكلون.
يا ابن جندب، قديما عمر الجهل وقوي أساسه،
وذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعلمه يريد
سواه، أولئك هم الظالمون.
يا ابن جندب، لو أن شيعتنا استقاموا
لصافحتهم الملائكة ولأظلهم الغمام ولأشرقوا نهارا ولأكلوا من فوقهم ومن تحت
أرجلهم، ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم.
يا ابن جندب، لا تقل في المذنبين من أهل
دعوتكم إلا خيرا، واستكينوا إلى الله في توفيقهم وسلوا التوبة لهم، فكل من
قصدنا ووالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه
فهو في الجنة.
يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله، ولا
ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله».
قلت: فمن ينجو؟
قال: «الذين هم بين الرجاء والخوف، كأن
قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب.
يا ابن جندب، من سره أن يزوجه الله الحور
العين ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.
يا ابن جندب، أقل النوم بالليل والكلام
بالنهار، فما في الجسد شيء أقل شكرا من العين واللسان، فإن أم سليمان قالت
لسليمان (ع) : يا بني إياك والنوم؛ فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى
أعمالهم.
يا ابن جندب، إن للشيطان مصائد يصطاد بها
فتحاموا شباكه ومصائده».
قلت: يا ابن رسول الله وما هي؟
قال: «أما مصائده فصد عن بر الإخوان، وأما
شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله، أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل
الأقدام إلى بر الإخوان وزيارتهم، ويل للساهين عن الصلوات النائمين في
الخلوات المستهزئين بالله وآياته في الفترات، أولئك الذين لا خلاق لهم في
الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب
أليم.
يا ابن جندب، من أصبح مهموما لسوى فكاك
رقبته فقد هون عليه الجليل، ورغب من ربه في الربح الحقير، ومن غش أخاه وحقره
وناوأه جعل الله النار مأواه، ومن حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث
الملح في الماء.
يا ابن جندب، الماشي في حاجة أخيه كالساعي
بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد،
وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.
يا ابن جندب، بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم:
لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في
الدنيا ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم
الناس.
يا ابن جندب، إنما شيعتنا يعرفون بخصال
شتى: بالسخاء و البذل للإخوان، وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا، شيعتنا لا
يهرون هرير الكلب ولا يطمعون طمع الغراب، ولا يجاورون لنا عدوا، ولا
يسألون لنا مبغضا ولو ماتوا جوعا، شيعتنا لا يأكلون الجري ولا يمسحون على
الخفين، ويحافظون على الزوال، ولا يشربون مسكرا».
قلت: جعلت فداك فأين
أطلبهم؟
قال (ع) : «على رؤوس الجبال وأطراف المدن،
وإذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن، كما قال الله:
(وجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى)(45)، والله لقد كان حبيب
النجار وحده.
يا ابن جندب، كل الذنوب مغفورة سوى عقوق
أهل دعوتك، وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء.
يا ابن جندب، أحبب في الله واستمسك
بالعروة الوثقى واعتصم بالهدى يقبل عملك، فإن الله يقول: إلا مَن (آمَنَ
وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (46) فلا يقبل إلا الإيمان، ولا إيمان إلا
بعمل، ولا عمل إلا بيقين، ولا يقين إلا بالخشوع، وملاكها كلها الهدى، فمن
اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا، والله يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم.
يا ابن جندب، إن أحببت أن تجاور الجليل في
داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا، واجعل الموت نصب عينك، ولا
تدخر شيئا لغد، واعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت.
يا ابن جندب، من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع
لغيره، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه، من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه
وآخرته، ويحفظ له ما غاب عنه، وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا، ولكل نعمة
شكرا، ولكل عسر يسرا، صبّر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية، فإنما
يقبض عاريته ويأخذ هبته؛ ليبلو فيهما صبرك وشكرك، وارج الله رجاء لا يجرّيك
على معصيته، وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته، ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه؛
فتكبر وتجبر وتعجب بعملك، فإن أفضل العمل العبادة والتواضع، فلا تضيع مالك
وتصلح مال غيرك، ما خلفته وراء ظهرك، واقنع بما قسمه الله لك، ولا تنظر إلا
إلى ما عندك، ولا تتمن ما لست تناله، فإن من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع،
وخذ حظك من آخرتك، ولا تكن بطرا في الغنى ولا جزعا في الفقر، ولا تكن فظا
غليظا يكره الناس قربك، ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك، ولا تشار من فوقك، ولا
تسخر بمن هو دونك، ولا تنازع الأمر أهله، ولا تطع السفهاء، ولاتكن مهينا تحت
كل أحد، ولا تتكلن على كفاية أحد، وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه
قبل أن تقع فيه فتندم، واجعل قلبك قريبا تشاركه، واجعل عملك والدا تتبعه،
واجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها، فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية
الصحة وبين لك الداء ودللت على الدواء، فانظر قيامك على نفسك، وإن كانت لك يد
عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المن والذكر لها، ولكن أتبعها بأفضل منها، فإن
ذلك أجمل بك في أخلاقك، وأوجب للثواب في آخرتك، وعليك بالصمت تعد حليما،
جاهلا كنت أو عالما، فإن الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند
الجهال.
يا ابن جندب، إن عيسى بن مريم (ع) قال
لأصحابه: أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان
كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟ قالوا: بل نرد عليها، قال: كلا،
بل تكشفون عنها كلها، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم، فقيل: يا روح الله وكيف ذلك؟
قال: الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها.
بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون
إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، إياكم
والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل
بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب،
وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد، إنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا
المبتلى، واحمدوا الله على العافية.
يا ابن جندب، صل من قطعك، وأعط من حرمك،
وأحسن إلى من أساء إليك، وسلم على من سبك، وأنصف من خاصمك، واعف عمن ظلمك،
كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك، ألا ترى أن شمسه أشرقت على
الأبرار والفجار، وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب، لا تتصدق على أعين الناس
ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع
عليها شمالك؛ فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رؤوس الأشهاد في اليوم
الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك، واخفض الصوت إن ربك الذي يعلم ما
تسرون وما تعلنون، قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه، وإذا صمت فلا تغتب أحدا،
ولاتلبسوا صيامكم بظلم، ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس، مغبرة وجوههم شعثة
رؤوسهم يابسة أفواههم؛ لكي يعلم الناس أنهم صيام.
يا ابن جندب، الخير كله أمامك وإن الشر
كله أمامك، ولن ترى الخير والشر إلا بعد الآخرة؛ لأن الله جل وعز جعل الخير
كله في الجنة والشر كله في النار؛ لأنهما الباقيان، والواجب على من وهب الله
له الهدى، وأكرمه بالإيمان، وألهمه رشده، وركب فيه عقلا يتعرف به نعمه، وآتاه
علما وحكما يدبر به أمر دينه ودنياه، أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا
يكفره، وأن يذكر الله ولاينساه، وأن يطيع الله ولا يعصيه؛ للقديم الذي تفرد
له بحسن النظر، وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا، وللجزيل الذي
وعده والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته وما يعجز عن القيام به، وضمن
له العون على تيسير ما حمله من ذلك، وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه،
وهو معرض عما أمره، وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه،
متقلدا لهواه، ماضيا في شهواته، مؤثرا لدنياه على آخرته، وهو في ذلك يتمنى
جنان الفردوس، وما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار،
أما إنه لو وقعت الواقعة وقامت القيامة وجاءت الطامة ونصب الجبار الموازين
لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة
والكرامة، وبمن تحل الحسرة والندامة، فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به
الفوز في الآخرة.
يا ابن جندب، قال الله جل وعز في بعض ما
أوحى: إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي،
ويقطع نهاره بذكري، ولا يتعظم على خلقي، ويطعم الجائع ويكسو العاري، ويرحم
المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس، أجعل له في الظلمة نورا،
وفي الجهالة حلما، أكلؤه بعزتي، واستحفظه ملائكتي، يدعوني فألبيه، ويسألني
فأعطيه، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها، ولا تتغير
عن حالها.
يا ابن جندب، الإسلام عريان، فلباسه
الحياء، وزينته الوقار، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس
وأساس الإسلام حبنا أهل البيت.
يا ابن جندب، إن لله تبارك وتعالى سورا من
نور محفوفا بالزبرجد والحرير منجدا بالسندس والديباج، يضرب هذا السور بين
أوليائنا وبين أعدائنا، فإذا غلى الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت الأكباد
من طول الموقف، أدخل في هذا السور أولياء الله فكانوا في أمن الله وحرزه، لهم
فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وأعداء الله قد ألجمهم العرق وقطعهم الفرق
وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم، فيقولون: (مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً
كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ) (47) فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون
منهم، فذلك قوله عز و جل: (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ
الأَبْصارُ)(48) وقوله: (فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ & عَلَى الأَرائِكِ
يَنْظُرُونَ )(49) فلا يبقى أحد ممن أعان
مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب»(50).
من أضرار
العجلة
وقال (ع) : «مع التثبت تكون السلامة، ومع
العجلة تكون الندامة، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير
حينه»(51).
مكارم الأخلاق
وقال (ع) : «إنا لنحب من شيعتنا من كان
عاقلاً عالماً فهماً فقيهاً حليماً مدارياً صبوراً صدوقاً
وفياً».
ثم قال (ع) : «إن الله تبارك وتعالى خص
الأنبياء (ع) بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم تكن
فيه فليتضرع إلى الله وليسأله إياه».
قال: قلت: جعلت فداك وما
هي؟
قال (ع) : «الورع والقنوع والصبر والشكر
والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء الأمانة
»(52).
المروّة
وقيل له (ع) : ما المروءة؟ فقال (ع) : «لا
يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك من حيث أمرك»(53).
عليكم الورع
وقال (ع) : «اتقوا الله، اتقوا الله،
عليكم بالورع وصدق الحديث وأداء الأمانة وعفة البطن والفرج، تكونوا معنا في
الرفيع الأعلى»(54).
الشيعة أحق
بالورع
وقال (ع) : «إن أحق الناس بالورع آل محمد
وشيعتهم؛ كي تقتدي الرعية بهم»(55).
من هم الشيعة
وقال (ع) : «إنما شيعة جعفر من عفّ بطنه
وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك
فأولئك شيعة جعفر»(56).
من أدعيته (ع)
وكان من دعاء له (ع) حينما استدعاه
المنصور فكفى الله شره:
«اللهم احرسني بعينك التي لا تنام،
واكنفني بركنك الذي لا يرام، واغفر لي بقدرتك عليَّ، ولا أهلك وأنت رجائي،
اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف وأحذر، اللهم بك ادفع في نحره واستعيذ بك من
شره»(57).
تحت ميزاب
الكعبة
كان الإمام الصادق (ع) تحت الميزاب ومعه
جماعة إذ جاءه شيخ، فسلم ثم قال: يا ابن رسول الله، إني لأحبكم أهل البيت
وأبرأ من عدوكم، وإني بليت ببلاء شديد وقد أتيت البيت متعوذاً به مما أجد
وتعلقت بأستاره، ثم أقبلت إليك وأنا أرجو أن يكون سبب عافيتي مما أجد، ثم بكى
وأكب على أبي عبد الله (ع) يقبل رأسه ورجليه.
وجعل أبو عبد الله (ع) يتنحى عنه، فرحمه
وبكى ثم قال: «هذا أخوكم وقد أتاكم متعوذاً بكم فارفعوا أيديكم»، فرفع أبو
عبد الله (ع) يديه ورفعنا أيدينا ثم قال:
«اللهم إنك خلقت هذه النفس من طينة
أخلصتها، وجعلت منها أولياءك وأولياء أوليائك، وإن شئت أن تنحي عنها الآفات
فعلت، اللهم وقد تعوذنا ببيتك الحرام الذي يأمن به كل شيء، اللهم وقد تعوذ
بنا وأنا أسألك يا من احتجب بنوره عن خلقه، أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين، يا غاية كل محزون وملهوف ومكروب ومضطر مبتلى، أن تؤمنه
بأماننا مما يجد، وأن تمحو من طينته ما قدر عليها من البلاء، وأن تفرج
كربته يا أرحم الراحمين». فلما فرغ (ع) من الدعاء انطلق الرجل فلما بلغ باب
المسجد رجع وبكى، ثم قال: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)(58)، والله ما بلغت
باب المسجد وبي مما أجد قليل ولا كثير ثم ولى(59).
بعض أشعاره (ع)
في المعصية
قال (ع) : «ما أحب الله عزوجل من عصاه»،
ثم تمثل فقال:
تعصي الإله وأنت تظهر
حبه |
|
هذا محــــال فــــــــي الفعال
بديع |
لو كان حبك صادقاً
لأطعـــته |
|
إن المحب لمن يحب
مطيع(60) |
في الموت
وقال (ع) :
اعمل على مهل فــــــــإنك
ميت |
|
واخـــــــتر لنفسك أيها
الإنسان |
فكأن ما قد كان لم يك إذ
مضى |
|
وكأن ما هو كائن قد
كان(61) |
وقال (ع) :
لكل أناس دولة يرقبونها |
|
ودولتنا في آخر الدهر
تظهر(62) |
|