|
اتفق جميع المسلمين وحتى الوهابيين الذين قاموا بهدم البقيع أنه قد وردت أحاديث عدة في فضل البقيع وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يزور البقيع ويدعو لمن دفن فيه. أما الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في فضل البقيع واستحباب زيارة تلك المشاهد المشرفة فكثيرة. وإليكم بعض الروايات من الفريقين:
في صحيح مسلم رقم 974: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد". ولذا تستحب زيارة البقيع والدعاء لمن دفن فيه إتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وآله سلم (1).
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزور البقيع دائما لكي يعرف المسلمون عظمة هذه البقعة واحترامها، وإنه ص لم يترك زيارة البقيع حتى في مرضه الأخير الذي توفي به، حيث ورد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع فقال للذي اتبعه: «إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع» فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: «السلام عيكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها» ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً(2).
في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى العباس أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس فقال: يا أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إمام حيا وميتا وقال: إني أدفن في البقعة التي أقبض فيها، ثم قال على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون (3).
في وسائل الشيعة باب تأكد استحباب زيارة القبور عن صفوان الجمال قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين فيقول: السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثا رحمكم الله ثلاثا الحديث (4).
في تفسير فرات بن إبراهيم: عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في بقيع الغرقد فقال: والذي نفسي بيده إن فيكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله وهم في ذلك يشهدون أن لا إله إلا الله وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فيكبر قتلهم على الناس حتى يطعنوا على ولي الله ويسخطوا عمله كما سخط موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لله رضا وسخط ذلك موسى عليه السلام (5).
في بحار الأنوار عن إرشاد القلوب، بالإسناد إلى الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل قال: لما كثر قول المنافقين وحساد أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما يظهره رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فضل علي (عليه السلام) وينص عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له على كبرائهم ومن لا يؤمن غدره ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين ويقول لهم إنه وصيي وخليفتي وقاضي ديني ومنجز عدتي والحجة لله على خلقه من بعدي من أطاعه سعد ومن خالفه ضل وشقي، قال المنافقون لقد ضل محمد في ابن عمه علي وغوى وجن والله ما أفتنه فيه وحببه إليه إلا قتل الشجعان والأقران والفرسان يوم بدر وغيرها من قريش وسائر العرب واليهود وإن كل ما يأتينا به ويظهر في علي من هواه، وكل ذلك يبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال عليه السلام: فهبط جبرئيل فخبر النبي بما قالوا وكان ذلك في ليلة الخميس وصبيحته فأقبل (صلى الله عليه وآله) بوجهه الكريم على الناس وقال: استدعوا لي عليا من منزله فقال له يا أبا الحسن إن قوما من منافقي أمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا لو شاء محمد لأمر الشمس أن تنادي باسم علي ويقول هذا ربكم فاعبدوه فإنك يا علي في غد بعد صلاة الفجر تخرج معي إلى بقيع الغرقد فقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادع بدعوات أنا ألقنك إياها وقل للشمس السلام عليك يا خلق الله الجديد واسمع ما تقول لك وما ترد عليك وانصرف إلي به. فسمع الناس ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمع التسعة المفسدون في الأرض فقال بعضهم: لا تزالون تغرون محمدا بأن يظهر في ابن عمه علي كل آية وليس مثل ما قال محمد في هذا اليوم، فقال اثنان منهم وأقسما بالله جهد أيمانهما إنهما ليحضران البقيع حتى ينظر أو يسمعا ما يكون من علي والشمس. فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفجر وأمير المؤمنين معه في الصلاة أقبل عليه وقال قم يا أبا الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأت البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك وأسر إليه سرا كان فيه الدعوات التي علمه إياها. فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) يسعى إلى البقيع حتى بزغت الشمس فهمهم بذلك الدعاء همهمة لم يعرفوها، وقالوا هذه الهمهمة ما علمه محمد من سحره وقال للشمس: السلام عليك يا خلق الله الجديد، فأنطقها الله بلسان عربي مبين وقالت: السلام عليك يا أخا رسول الله ووصيه أشهد أنك الأول والآخر والظاهر والباطن وأنك عبد الله وأخو رسوله حقا. فارتعدوا واختلطت عقولهم وانكفئوا إلى رسول الله ص مسودة وجوههم تفيض أنفسهم فقالوا يا رسول الله ما هذا العجب العجيب لم نسمع من الأولين ولا من المرسلين ولا في الأمم الغابرة القديمة كنت تقول لنا إن عليا ليس ببشر وهو ربكم فاعبدوه فقال لهم رسول الله بمحضر من الناس في مسجده تقولون ما قالت الشمس وتشهدون بما سمعتم قالوا يحضر علي فيقول فنسمع ونشهد بما قال للشمس وما قالت له الشمس فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بل تقولون فقالوا قال علي للشمس السلام عليك يا خلق الله الجديد بعد أن همهم همهمة تزلزلت منها البقيع فأجابته الشمس وقالت وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه أشهد أنك الأول والآخر والظاهر والباطن وأنك عبد الله وأخو رسول الله حقا. فقال لهم رسول الله ص الحمد لله الذي خصنا بما تجهلون وأعطانا ما لا تعلمون ثم قال قد تعلمون أني واخيت عليا دونكم وأشهدتكم أنه وصيي فما ذا أنكرتم عساكم تقولون ما قالت له الشمس إنك الأول والآخر والظاهر والباطن. قالوا نعم يا رسول الله لأنك أخبرتنا بأن الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن في كتابه المنزل عليك. فقال رسول الله ص ويحكم وأنى لكم بعلم ما قالت له الشمس أما قولها إنك الأول فصدقت إنه أول من آمن بالله ورسوله ممن دعوته إلى الإيمان من الرجال وخديجة من النساء وأما قولها الآخر فإنه آخر الأوصياء وأنا خاتم الأنبياء وخاتم الرسل وأما قولها الظاهر فإنه ظهر على كل ما أعطاني الله من علمه فما علمه معي غيره ولا يعلمه بعدي سواه ومن ارتضاه لسره من ولده وأما قولها الباطن فهو والله الباطن على الأولين والآخرين وسائر الكتب المنزلة على النبيين والمرسلين وما زادني الله تعالى من علم ما لم يعلموه وفضل ما لم يعطوه فما ذا تنكرون. فقالوا بأجمعهم نحن نستغفر الله يا رسول الله لو علمنا ما تعلم لسقط الإقرار بالفضل لك ولعلي فاستغفر الله لنا فأنزل الله سبحانه سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين وهذا في سورة المنافقين. قال العلامة المجلسي: بيان في القاموس الغرقد شجر عظام أو هي العوسج إذا عظم وبقيع الغرقد مقبرة المدينة على ساكنها السلام لأنه كان منبتها. (6).
في بحار الأنوار: عن أنس بن مالك قال: خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) نتماشى حتى انتهينا إلى بقيع الغرقد فإذا نحن بسدرة عارية لا نبات عليها، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحتها فأورقت الشجرة وأثمرت واستظلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله). فتبسم (ص) وقال: يا أنس ادع لي عليا، فعدوت حتى انتهيت إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فإذا أنا بعلي يتناول شيئا من الطعام، قلت له: أجب رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: لخير أدعى. فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: فجعل علي (ع) يمشي ويهرول على أطراف أنامله حتى مثل بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجذبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأجلسه إلى جنبه، فرأيتهما يتحدثان ويضحكان ورأيت وجه علي (عليه السلام) قد استنار فإذا أنا بجام من ذهب مرصع بالياقوت والجواهر وللجام أربعة أركان على كل ركن منه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى الركن الثاني لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب ولي الله وسيفه على الناكثين والقاسطين والمارقين، وعلى الركن الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي بن أبي طالب، وعلى الركن الرابع نجا الله المعتقدين لدين الله الموالين لأهل بيت رسول الله، وإذا في الجام رطب وعنب ولم يكن أوان العنب ولا أوان الرطب، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل ويطعم عليا حتى إذا شبعا ارتفع الجام. فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا أنس أترى هذه السدرة. قلت: نعم. قال: قعد تحتها ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا ما في النبيين نبي أوجه مني ولا في الوصيين وصي أوجه من علي بن أبي طالب، يا أنس من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى إبراهيم في وقاره وإلى سليمان في قضائه وإلى يحيى في زهده وإلى أيوب في صبره وإلى إسماعيل في صدقه فلينظر إلى علي بن أبي طالب، يا أنس ما من نبي إلا وقد خصه الله تبارك وتعالى بوزير وقد خصني الله تبارك وتعالى بأربعة اثنين في السماء واثنين في الأرض فأما اللذان في السماء فجبرئيل وميكائيل وأما اللذان في الأرض فعلي بن أبي طالب وعمي حمزة(7).
في حديث المناشدة والمحاجة بين الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان قال الإمام الحسن عليه السلام: ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله ص فقال: يا ابن أخي هل علينا من عين، فقال: لا، فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة فتيان بني أمية فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنة ولا نار. وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين ع حين بويع عثمان وقال: يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم. فقال الحسين بن علي ع: قبح الله شيبتك وقبح وجهك، ثم نتر يده وتركه فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك (8).
في كامل الزيارات عن صفوان الجمال قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: كان رسول الله ص يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين فيقول: السلام عليكم أهل الديار ثلاثا رحمكم الله ثلاثا ثم يلتفت إلى أصحابه فيقول هؤلاء خير منكم فيقولون يا رسول الله ولم آمنوا وآمنا وجاهدوا وجاهدنا فيقول إن هؤلاء آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ومضوا على ذلك وأنا لهم على ذلك شهيد وأنتم تبقون بعدي ولا أدري ما تحدثون بعدي(9). وهذا الحديث يدل على استحباب الزيارة الجماعية واستحباب زيارة البقيع عشية الخميس على عكس ما يزعمه البعض من عدم جواز ذلك.
|
|||||||||
(1) انظر أيضا وفاء الوفا: ج3 ص883 - 924. وعمدة الأخبار: ص 148 - 160. (2) بحار الأنوار: ج22 ص466 ب1 ح19. عن الإرشاد: ج1 ص180. (3) الكافي: ج1 ص451 باب مولد النبي ص ووفاته ح37. (4) وسائل الشيعة: ج3 ص224 ب55 ح3469. (5) تفسير فرات الكوفي: ص 200-201 سورة يوسف. عنه بحار الأنوار: ج32 ص295-296 ب7 ح255. (6) بحار الأنوار: ج35 ص276-280 ب8 ح5. وإرشاد القلوب: ج2 ص269. (7) بحار الأنوار: ج39 ص128 ب 78 ح16، وبشارة المصطفى: ص83. (8) بحار الأنوار: ج44 ص76 ب20 ح1 عن الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص275. |