|
مع الرحالة السويسري* |
يقول الرحالة السويسري لويس بورخارت والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم: (تبدو مقبرة البقيع حقيرة جدا لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر واتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلوا من اي قبر مشيد تشييدا مناسبا، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها.. ويعزي تخريب المقبرة الى الوهابيين. ثم يصف هذا الرحالة قبورة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقبر العباس (عليه السلام) وعمات النبي (صلى الله عليه وآله) بالقول (فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل! أما جبل أحد فيقول عنه هذا الرحالة بأنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون.. وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد (وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها). |
لقد اختفت القباب البيضاء* |
يصف الرحالة الغربي واسمه (ايلدون رتز)، المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول: حينما دخلت إليه وجدت منظره كأنه منظر بلدة قد خربت عن آخرها، فلم يكن في أنحاء المقبرة كلها ما يمكن أن يشاهد سوى أحجار مبعثرة وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها، وقطع من الخشب مع كتل كثيرة من الحجر والآجر المنكسر هنا وهناك، وقد كان أشبه بالبقايا المبعثرة لبلدة أصابها الزلزال فخربها كلها... لقد هُدّمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي في السابق... وأصاب القبور الأخرى نفس المصير، فسحقت وهشمت... |
مناظرة السيد علي البطحائي |
وقعت هذه المناظرة للسيد علي البطحائي في البقيع الغرقد مع بعض الوهابيين حول مشروعية التوسّل بالأولياء عليهم السلام والجلوس حول القبور قال بعض من يسمي نفسه بالآمرين بالمعروف : لأي علة تجيئون عند القبور، وتطلبون الحاجة من أهل القبور؟ قلت : أخي، إنا لا نطلب الحاجة من أهل القبور ، بل نطلب الحاجة من الله عند قبور أهل البيت عليهم السلام فإنهم أقرب الخلق إلى الله عزوجل ، وعندهم ميراث النبوة ، فنجعلهم شفعاء لقضاء حوائجنا. قال : طلب الحاجة من جهة جعلهم شفعاء إلى الله لا يجوز أيضاً. قلت : يجوز ، لأن القرآن في سورة يوسف يقول ـ بالنسبة إلى أبناء يعقوب لما ألقوا أخاهم يوسف في البئر وفعلوا ما فعلوا وندموا من فعلهم ـ : ( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا ) (1) لأن أباهم يعقوب كان مقرباً عند الله وما فعل ذنباً قط ، ولكنهم كانوا مذنبين ، فجعلوا أباهم شفيعاً لحط ذنوبهم ، ويقول القرآن أيضاً : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً )(2). إن قلت : إن هذا الخصوصية كانت في زمن حياة الرسول صلى الله عليه وآله دون زمن الممات. قلنا : لا فرق بين زمن الحياة والممات بالنسبة إلى كونهم شفعاء الخلائق ، بعد ما يقول القرآن : ( فلا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون )(3). ثم قال أحد أعضاء هيئة الآمرين بالمعروف في المدينة المنورة الذين يقفون عند قبور الأئمة في البقيع: لأي علة تقعدون عند المقابر، والقعود عند المقابر حرام ؟ قلت : أخي ، القعود في المسجد الحرام في حجر إسماعيل على رأيكم أيضاً حرام ، لأن في حجر إسماعيل مقبرة إسماعيل ومقبرة أم إسماعيل هاجر ، ومقبرة جمع من الأنبياء أيضا وقد ذكرتم ذلك في مناسككم ، وعلة حرمة الطواف في حجر إسماعيل من جهة أن الطواف يوجب أن توطأ قبور الأنبياء، فعلى رأيكم هذا فإن جميع أرباب المذاهب يفعلون المحرم، لأنهم يقعدون في حجر إسماعيل. وورد في صحيح البخاري ـ الذي هو في الاِتقان عندكم مثل القرآن ـ رواية عن أبي عبدالرحمن عن علي عليه السلام قال : كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وآله فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فجعل ينكت بمخصرته ثم قال : ما منكم من أحد ، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار(4). قلت: رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في البقيع ، لكن أنتم تمنعون عن القعود ، فعلى رأيكم رسول الله صلى الله عليه وآله فعل محرماً. قال بعض أعضاء هيئة الآمرين بالمعروف! : لأي علة تصلون عند المقابر ، والصلاة عند المقابر حرام ؟ ومكتوب على لوحة من حديد في البقيع : إن الصلاة عند المقابر لا تجيزها الشريعة الإِسلامية ؟ قلت : إذا كانت الصلاة عند المقابر حراماً ، فالصلاة في حجر إسماعيل أيضاً حرام ، لأن في حجر إسماعيل مقبرة إسماعيل واُمه هاجر وهو مشحون من قبور الاَنبياء ، مع أن جميع أرباب المذاهب يصلون في حجر إسماعيل بل يتبركون بها. وفي صحيح البخاري في المجلد الاَول في أبواب الدفن والمقابر أن عمر بن الخطاب رأى أنس بن مالك يصلي عند قبر ، فقال عمر : القبر ، القبر ، ولم يأمره بالاَعادة ؟(5). فعلى رأي خليفتكم عمر بن الخطاب تكون الصلاة عند المقابر صحيحة ، لكن أنتم تمنعون الصلاة عند المقابر ، وذلك لاَن عمر بن الخطاب لم يأمر أنس بإعادة الصلاة. وورد في المجلد الثاني من صحيح البخاري(6) أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى في البقيع في يوم عيد الاَضحى ركعتين ، فقال بعدما صلى : إنَّ أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سـنتنا. فرسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في البقيع لكن أنتم تمنعون الصلاة وتقولون : إن الصلاة عند المقابر لا تجيزه الشريعة ، إن كان المراد بالشريعة الشريعة المحمدية فصاحب الرسالة هو صلى في البقيع صلاة عيد الاَضحى ، والبقيع كان مقبرة عند وروده بالمدينة المنورة، وإلى الآن فعند الرسول ص ومن يتابعه الصلاة عند المقابر لا بأس بها ، لكن أنتم تمنعون عن الصلاة على خلاف رأي الرسول صلى الله عليه وآله والصحابة(7) ». ____________ (1) سورة يوسف : الآية 97. (2) سورة النساء : الآية 64. (3) سورة آل عمران : الآية 169 . (4) صحيح البخاري : ج 2 ص 120 (ك الجنائز ب موعظة المحدث) . (5) صحيح البخاري : ج 1 ص 116 (ك الصلاة ب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية) . (6) صحيح البخاري : ج 2 ص 26 (ك العيدين ، ب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد). (7) انظر مناظرات في الحرمين الشريفين للبطحائي : ص 17 ـ 21 . |
___________ * للتفصيل انظر موقع إذاعة الهدى الطبع و النشر محفوظة لإذاعة الهدى al-hodaonline.com وانظر أيضا كتاب: (أضواء على معالم المدينة المنورة وتاريخها) لمؤلفه حسين علي المصطفى ص194. |