موسوعة العتبات المقدسة |
ملاحظة لقد اقتبسنا من هذا الكتاب الضخم الصفحات اللصيقة الصلة بموضوع الموقع، ونقلناها نصاً من دون تصرف، وأشرنا إلى صفحات النسخة الأصلية. کما ان هذا الموقع يعنى بالبقيع ويسعى لنقل كل معلومة عنه، وكل ما كتب أو قيل بشأنه _ سلباً أو إيجاباً _ وعرضه بين يدي المراجعين والباحتين، ومن ثم فإن الموقع لايتبنى بالضرورة كل ما يرد فيه من آراء وأقوال. ( من صفحة 222 الى 238) و من ( صفحة 280 الى 285) أئمة البقيعلا يخفى أن ذكر الأئمة المطهرين الذين دفنوا في البقيع بالمدينة، أي الحسن، وزين العابدين، والباقر، و الصادق عليهم السلام، يرد في معظم المراجع الغربية التي تبحث في تاريخ المسلمين و عقائدهم مثل دائرة المعارف الإسلامية وغيرها. لكن أهم من يكتب عنهم بشيء من التفصيل هو الدكتور دونالدسون في كتابه عقيدة الشيعة. فهو يخصص فصلا واحدا من كتابه لكل أمام من الأئمة الاثني عشر المعصومين، ومنهم أئمة البقيع سلام الله عليهم. ومع أن ما يكتبه عنهم فيه الكثير من التجني و الخبث الذي يؤمل صدوره من مبشر مسيحي مثل دونالدسون، إلا أنه يذكر أشياء تستحق الإشارة والتدوين. ويستهل بحثه عن الأمام الحسن بقوله انه نودي به خليفة للمسلمين في الكوفة بعد وفاة والده الأمام علي بيومين، وكان ذلك في شهر رمضان سنة أربعين للهجرة. فبعث برسله و وكلائه إلى السواد والجبل، وقتل المجرم عبدالرحمن بن ملجم.. وبعد أن يناقش دونالدسون حق الحسن في تولي الخلافة بعد أبيه يقول ان الإمام علياً سلّم إلى الحسن قبيل وفاته بحضور آل البيت ورجال الشيعة المعروفين، الكتب السرية وسلاحه. ثم خاطبه يقول: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي اليك وأن أدفع كتبي وسلاحي، كما أوصى إلى رسول الله(ص) ودفع كتبه و سلاحه إلى، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن ندفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل علي ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين ثم قال له وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله(ص) ومني السلام… ويروي أن عليا دعا الحسن وسماه «وإلى الأمر» وكذلك «ولي الدم»، أي أنه ترك له أمر الثأر لدمه والاقتصاص من القاتل. ثم يتطرق «إلى التطورات التي حصلت بعد ذلك فأدت إلى تنازل الإمام الحسن عن الخلافة إلى معاوية، وينقل في ذلك عن الدينوري في أخباره الطوال وعن اليعقوبي في تاريخه المعروف. ويقول بعد هذا نقلاً عن السيوطي ان تنازل الأمام كان مشروطاً بعودة الخلافة له بعد معاوية ويتابع دونالدسون بحثه هذا فيذكر ،ن طول المدة التي تولى فيها الحسن الخلافة بعد أبيه غير أكيد. إذ يقول المسعودي انها كانت ستة أشهر وثلاثة أيام، وان الحسن أول خليفة تخلي عن سلطته لغيره. غير أن المتفق عليه عند الشيعة أن خلافته كانت عشرة أعوام وستة أشهر، وأن أربعة عشر شهراً منها مارس فيها شؤون الخلافة بالفعل، ثم فوض أمرها إلى معاوية لمدة تسع سنين وأربعة أشهر علي سبيل الاضطرار والتقية وحقناً لدماء أتباعه و محافظةً علي أموالهم وأُسرهم من جور معاوية وظلمه. أما الفرق بين الأشهر الستة التي يذكرها المسعودي والأربعة عشر شهراً المشار اليها فتفسر بالحادث الذي بايعت فيه المدينة المنورة الأمام الحسن في خلافة والده الذي نازعه فيها معاوية بحيث جرد جيشاً علي المدينتين المقدستين بقيادة بسر(1) لأخذ البيعة له، وكانت مكة قد بايعت الأمام علياً وبادرت المدينة إلى مبايعة ابنه الحسن. ويذكر بعد ذلك أنه بينما كان الأمام علي قد ولد في الكعبة نفسها، فقد ولد ابنه الحسن في المدينة أي في بيت علي وفاطمة عليهما السلام وهو البيت الوحيد الذي سمح جبرائيل بأن يكون له باب مطل على صحن المسجد النبوي الشريف. و يتعرض دونالدسون بعد هذا إلى حياة الأمام الخاصة (الص 74) وسيرته فيذكر روايات وآراء تدل علي جهله الفاضح بالتاريخ الأسلامي وتحامله الذي لايستيعد صدوره من مبشر يتطفل علي اللبحث في مثل هذه المواضيع. ومن المؤسف أن يضيق المجال لمناقشته هنا وتفنيد أوهامه وآرائه الخاطئة. ثم يختم فصله عن الأمام المجتبي بالأشارة إلى وفاته فيقول انه عليه السلام قد توفي مسموماً بعد محاولات عدة بذلت من أجل ذلك. فقد حاول أعداؤه أن يدسوا له السم في طعامه عن طريق خادم له يقدم الطعام فاكتشف أمره، وحاولت زوجته جعدة بنت ال، شعث الكندي ثلاث محاولات متتالية أن تسمّه بعد أن أغراها مروان على ذلك باسم معاوية ووعدها بأن يزوجها يزيد بن معاوية إذا ما توفقت في قتله. وكانت أول محاولة لها أنها دست له السم في العسل فمرض على أثر ذلك مرضاً شديداً لكنه تغلب علي الجرعة غير القاتلة وحصر شكّه فيها. ولهذا صار يراقبها بحذر لكنها استطاعت أن تدسّ له السمّ الزعاف مرة ثانية في بضع تمرات ناضجة فسقط مريضاً تنتابه الآلام الفظيعة، غير أنه استطاع في هذه المرة أيضاً أن يتغلب علي السم وتعود اليه صحته بالتدريج. ومن الغريب أن يذكر دونالدسون أن أعصاب الأمام عليه السلام قد انهدت في هذه المرة، وشكا لأصحابه من أسقامه وآلامه، فقرر الرحيل إلى الموصل ليبتعد عن زوجته الخائنة. غير أنه وجد هناك رجلاً أعمي ظل يتربص به الفرص ليدس له السم بطريقة أخري أيضا. ولعل دسائس معاوية، الذي كان يهمه، يقضي علي الأمام ليتخلص من الشروط التي اشترطها عليه، ظلت تلاحقه إلى كل مكان يذهب اليه. ولهذا لم يجد الحسن عليه السلام هدوء البال الذي كان يبتغيه في الموصل فعاد إلى المدينة من جديد، وفيها قرر الابتعاد عن زوجته جعدة وبذل أقصي ما يمكن من الحذر في مأكله ومشربه. لكن الخائنة استطاعت أن تتسلل إلى مخدعه في ليلة من الليالي وهي تحمل سماً قاتلاً مزج بمسحوق الماس، وبينما كان يغلط في نومه وضعت السم في إناء من الماء كان موضوعاً بجنبه. وما أن شرب جرعةً منه في اليوم الثاني حتي خر صريعاً في الحال وهو يلفظ قطعاً من كبده إلى الخارج، حتي قضي نحبه... وتقول الرواية انه ،وصي أن يدفن إلى جنب جده النبي صلوات الله وسلامه عليه، وإذا ما حالت دون ذلك الحوائل، إن يدفن إلى جنب أمه الزهراء في البقيع فتم له ذلك. ولما لم نجد ذكراً للمرجع الذي استند اليه دونالدسون في الرواية الأخيرة وجدنا من المناسب أن ننقل هنا رواية المسعودي في هذا الشأن. فقد جاء في الجزء الثاني (الص 427) قوله حدثنا جعفر عن محمد أبيه، عن جده الحسين بن علي بن ،بي طالب رضي الله عنهم، قال: دخل الحسين علي عمي الحسن بن علي لما سُقي السم، فقام لحاجة الأنسان ثم رجع، فقال: لقد سقيت السم عدة مرات فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفةِ من كبدي فرأيتي أقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين: يا أخي من سقاك؟ قال وما تريد بذلك؟ فأنّ كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي بريء، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتي توفي رضي الله عنه. وذكر أن امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دس اليها: انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمئة ألف درهم، وزوّجتك من يزيد، فكان ذلك الذي بعثها علي سمه، فلما مات وفي معاوية لها بالمال، وأرسل اليها: أنا تحب حياة يزيد، ولولا ذلك لو فينا لك بتزويجه. وفي جعدة يقول النجاشي في شعر طويل: جعدة بكيّـــه ولا تسأمـــي بعـدُ بـكــاء المـُعــــــولِ الثـاكــــل لم يُسبل الستر علي مثلـه في الأرض من حاف و من ناعل كان إذا شبــــت لـه نـاره يــرفـعــهـــــا بالســـند الغــاتـــــل كيما يراها بائس مرمــل وفــرد قــوم لـــيـس بـــــالآهـــل وقال آخر: تأسّ فكم لك مـــن سلوة تفـــــرج عنــــك غليل الحـــزن بموت النبي، وقتل الوصي وقتل الحـسيــــن وسمّ الحـسـن وفي الفصل المخصص للأمام زين العابدين عليه السلام (الفصل 9 الص 101) يبدأ دونالدسون بالبحث عن انقسام الشيعة في تولي الأمامة بعد الحسين إلى كيسانية يرجحون محمداً ابن الحنفية، وإمامية يتمسكون بوصية الأمام الشهيد لابنه علي زين العابدين. ثم يذكر أن زين العابدين، الذي يسميه علياً الأصغر، كان أحد خمسة نجوا من القتل في مجزرة كربلا الفظيعة من أسرة الحسين وهم: عمته زينب وأخوه عمر وأختاه، وهو نفسه. وكان عليه السلام لا يقل عمره عن ثلاث وعشرين سنة حينما استشهد والده في حومة الشرف والمجد. ولم يسهم في القتال لأنه كان مريضاً ومن أجل هذا أنقذ حياته عمر بن سعد. ويصفه الدينوري بأنه كان مراهقاً يومذاك، وكان أخوه عمر لا يتجاوز الرابعة من عمره. ثم يورد دونالدسون رواية الدينوري في أخباره الطوال عن سبي الأسرة الحسينية وحمل الرؤوس إلى عبيدالله بن زياد، وإلي يزيد في دمشق. ويقول ان الخمسة الذين نجوا من القتل الأثيم سمح لهم في دمشق بأن يعودوا إلى موطنهم في المدينة، وهناك رووا للناس أوجه النكبة التي حلت في كربلا. وكانت دعاية خطرة هيأت الجو للقيام في وجه الأمويين وجورهم، بعد أن سفكوا دماء آل البيت الزكية.. وقد اغتنم هذه الفرصة عبدالله بن الزبير، وكان يومذاك، في أوائل الستينات من عمره، وكان انتهازيا، طموحاً بشكل أناني، برغم ما كان عنده من قابلية للقيادة والتزعم.. ويذكر أنه كان علي خلاف الباقين قد شجع الأمام الحسين علي الذهاب إلى الكوفة لغرض في نفسه، لأنه عرف مقدماً أن الحسين(ع) سيخونه أهل الكوفة ويقتلونه، وأن الجو سيخلو له بعد ذلك فتسنح الفرصة الكبيرة للثورة.. وحينما ثارت ثائرة أهل المدينة لسماعهم بتلك الأنباء المفجعة والفضائع المخزية التي ارتكبها الأمويون جمعهم عبدالله بن الزبير في المسجد الكبير، وأكد على خيانة أهل الكوفة حين خطب بهم، فأدى ذلك إلى مناداة أهل المدينة، وأهالي مكة من بعدهم، به خليفةً عليهم. وبهذا اتفقت المدينتان المقدستان علي الثورة في وجه يزيد، وتعين في كل منهما رجل للقيادة. لكن عبدالله جعل مقرّه في مكة وراح يهيج سكان الجزيرة العربية كلها ضد الأمويين. لكن مسلم بن عقبة جرد من دمشق في الحال سنة 63 هجري على رأس حملة تأديبية ضد المدينة ومكة. ويبدو أن هذه الحملة (واقعة الحرة) كانت علي شكل غزوة سريعة لأن ابن الزبير لم يعرف اندحاره فيها. بينما تذكر التواريخ أن عدداً من قادة الثورة قد قتلوا فيها وأن سكان المدينة قد تعرضوا لأسوأ أنواع العنف والأباحة، وانتهكت قدسية الحرم النبوي الشريف. وبعد ثلاثة أيام من التهديم وسفك الدماء جلس مسلم بن عقبة في ديوانه الرسمي ليتقبل طاعة الذين سلموا من القتل من أهالي المدينة ليزيد، وتقديم عبوديتهم له. وكان بين الذين جيء بهم اليه الأمام زين العابدين عليه السلام، لكنه احتفي به علي ما يروي وأجلسه بقربه ثم قال له ان يزيد أوصاه به خيراً. ... وعند ذاك كان أهل الكوفة قد شعروا بالتقصير الذي بدر منهم تجاه الحسين الشهيد، فلم يرضوا بمروان الذي تولي بعد هلاك يزيد ولا بابن الزبير الذي كان معتصماً في مكة. فاجتمعوا بينهم وانتخبوا خمسة منهم، وهؤلاء تداولوا مع سليمان بن صرد الخزاعي، وقرروا بأن أول ما يجب عليهم أن يفعلوه هو أن يتوبوا إلى الله عما بدر منهم في خذل الأمام الحسين والقعود عن نصرته، فسموا ب«التوابين»، ثم اتفقوا علي تطهير الأرض من قتلة أهل البيت، وتعيين الأمام زين العابدين خليفةً للمسلمين(2) ... وبعد أن تطورت الأحداث ظهر المختار بن أبي عبيد في الكوفة مدعياً بأنه يمثل الأمام زين العابدين الذي كان ما يزال باقياً في المدينة... وحينما قضي ابن الزبير علي المختار لم يتعرض للأمام عليه السلام لأنه كان علي علمٍ بعدم وجود صلة للمختار به.وكان الأمام قد تسلم معروضات خاصة منه قبل هذا لكنه ترفع عن الرد عليها، وكان يشجب أعماله علي ملأ من الناس في مسجد النبي. ثم يتطرق دونالدسون (الص 107) إلى قصة الأمام زين العابدين مع عمه محمد ابن الحنفية أيضا. فيقول ان قضية الاختلاف في تولي الأمامة بين محمد ابن الحنفية وزين العابدين كانت من قضايا الساعة الحيوية خلال فترة الاضطراب التي رافقت حركة ابن الزبير وأعقبتها، وأدت إلى حصول اختلافات بين الشيعة و تكوّن فرقة جديدة منهم. فقد كانت الجهود التي بذلها الحزب الشيعي للحصول علي السلطة الدنيوية في الامبراطورية الإسلامية جهوداً فاشلة مرة بعد أخري، وكانت أول نتيجة لذلك أنهم حوّروا نظريتهم المختصة بالأمامة وصاروا يعتبرون الأئمة قادة روحيين في الدرجة الأولي، وشفعاء عند الله يوم الدين. ويقول دونالدسون ان ابن الحنفية ذهب بعد موت ابن الزبير إلى مكة مع ابن أخيه زين العابدين ليقررا أيهما الوارث الحقيقي للأمامة. فقد كان يدعي أنه أحق منه بها لأنه كان ابن علي بن أبي طالب، لكن زين العابدين طلب منه أن يخاف الله ولا يأتي بهذه البدعة ثم اتفقا علي التحكيم أمام الحجر الأسود في بيت الله الحرام فكانت النتيجة في صالح الأمام زين العابدين بطبيعة الحال. ولذلك عاد إلى المدينة وعاش فيها عيشة هادئة منعزلة، تفرغ فيها للعبادة وشؤون الدين، وبقي علي هذا المنوال مدة تناهز العشرين عاماً. وقد عرف بين الناس في كل مكان بورعه وتعبده، وبحزنه المتواصل علي والده عليه السلام، حتي سمّي بزين العابدين، وهو الأسم المسجل له في الجنة. ويقال انه أحد خمسة أو ستة بكائين اشتهروا في تاريخ العالم. ومما يؤثر عنه أنه كان يكبّر سبعين تكبيرة في كل صلاة، ويقرأ القرآن كله من أوله إلى آخره. وكان مشتهراً علاوة علي ذلك بحسن تجويده للقرآن وصوته العذب الحنون، وبانصرافه للصلاة آناء الليل وأطراف النهار حتي تخشبت بعض أعضائه من أثر السجود وسمي السجاد كذلك. .. ولابد من أنه كان علي جانبٍ عظيم من ضبط النفس وكظم الغيظ، فقد روي عنه أن خادماً من خدامه أراق علي رأسه ورقبته عليه السلام شيئاً من الطعام الحار خطأًً، فلم يؤنبه وإنما سرّحه وأعتقه بأحسان. ومما يروي عن سخائه وكرمه أنه كان يخرج في المدينة كل ليلة وهو يحمل أكياس القمح والطحين ليوزعها علي بيوت المحتاجين من دون أن يعرفوا هويته، حتي بلغ عدد الأسر التي كان يعينها علي هذه الشاكلة ثلاث مئة أسرة. أما خلال النهار فكان يذبح في كل يوم مئة رأسٍ من الغنم، ويوزعها علي الناس. لكن معظم وقته كان يقيه وهو جالس للصلاة فوق قطعة بالية من الحصير من دون أن يأكل شيئا، لأنه كان يصوم في الغالب أو يأكل شيئاً من خبز الشعير. وكان يشبه في مظهره جده الأمام عليا(ع). فقد كان طوله بطول جده، وكان شعره يميل إلى الحمرة في لونه، كما كان أبيض الوجه والرقبة عالي الصدر كبير البطن. وكان أول أمام يكتفي بأمرأة واحدة، وهي التي ،نجب منها الأمام محمداً الباقر(ع) الذي خلفه في الأمامة. لكنه أعقب أربعة عشر ولداً غيره من إمائه أو جواريه.. وبعد أن يذكر دونالدسون (الص 110) ماوقع للأمام زين العابدين مع هشام بن عبد الملك حينما جاء ليطوف حول الكعبة. وهي القصة التي نظم فيها الفرزدق الشاعر قصيدته المشهورة، يقول ان هشاماً هذا أمر بأن يدبر قتله بالسم. فتوفي سلام الله عليه سنة 94 أو 95 للهجرة، وهو في السابعة والخمسين من عمره فدفن في بقيع الغرقد إلى جنب عمه الحسن عليهما السلام. وقد قضي عمره علي الوجه التاريخي الآتي: فقد قضي سنتين في أيام جده علي، و عشر سنين من أيام عمه الحسن، وعشراً من إمامة أبيه الحسين، وخمساً وثلاثين سنة اماماً للمسلمين من بعدهم. وفي الفصل العاشر من كتاب «عقيدة الشيعة» يذكر دونالدسون شيئاً غير يسير عن حياة الأمام محمد باقر عليه السلام، الذي عاش عمره كله في المدينة المنورة. فهو يقول ان الأمام تولي بعد أبيه السجاد في السنة الاخيرة من أيام الوليد بن عبدالملك. وكان المجتمع الأسلامي يومذاك قد تقدمت فيه شؤون الثقافة، وتعددت دور العلم. وكان الامام الجديد الذي عاش عيشةً منعزلة هادئة في المدينة، علي غرار عيشة أبيه، يعتبر المرجع الأول للعقيدة الشيعية وقد ظل كذلك تسعة عشر عاماً تقريباً، علي أن هناك اختلافاً في تاريخ وفاته بين المؤرخين، فيذكر اليعقوبي أن ذلك وقع في سنة 117 للهجرة، بينما يشير المسعودي إلى إنه توفي في سنة 125 أو 126 هجري. وقد عرف الباقر بتضلعه في العلم وتبحّره فيه، وكان يقدر تقديراً فائقاً لعلمه هذا ونبل مولده وشرف محتده. وسمي بالباقر علي هذا الأساس، لأنه تبقر في العلم أي توسع، وهو باقر علوم الأولين والآخرين. وكان قد ولد في المدينة المنورة في الثالث من شهر صفر سنة 57 للهجرة، والمقول أنه كان في الثالثة أو الرابعة من عمره حينما استشهد جده الحسين. وكانت أمه بنتاً من بنات الأمام الحسن تسمي أم عبدالله. وكان هشام بن عبدالملك الأموي كثيراً ما يضايقه ويثير الشكوك من حوله. وقد حاججه ذات يوم في إمامته، وكان من جملة من أجابه عليه السلام أنه استهل الحديث بالآية الكريمة.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً.. ثم قال ان النبي قد كشف للامام علي عن أسرار أخري بعد أن نزل عليه الوحي بها. ومن بيت آل البيت جميعهم اصطفي الأمام علياً واحداً فقط فجعله موضع ثقته، وانتقل اليه ميراث العلم بالأسرار، فسأله هشام: إذا كان الله لم يجعل للنبي شريكاً يشاركه في أسراره، فكيف يدعي علي بذلك؟ لكن الأمام الباقر قرأ عليه كثيراً من أقوال النبي وأحاديثه في هذا الشأن مما يدل علي منزلة الأمام علي عنده وعلاقته به. وحينما سمع هشام كل هذا صمت ولم يحر جوابا، ثم سمح للأمام الباقر وجماعته بالعودة إلى المدينة. وحينما عزم زيد بن علي زين العابدين أخو الأمام الباقر علي الثورة ضد الأمويين ذهب اليه في سنة 121 أو 122 للهجرة وأخذ رأيه فيما هو مقدم عليه، لكن الأمام الباقر حذر أخاه هذا من الاعتماد علي أهل الكوفة وذكره بما صنعوه بأهل البيت من قبل. علي أن زيداً لم يعبأ كثيراً بالتحذير وأعلن الثورة فقتل وعلقت جثته علي صليب في كناسة الكوفة، بينما طيف برأسه في الأمصار. ويشير دونالدسون إلى ما يذكره الشهرستاني في (الملل و النحل) من أن خلافاً كان موجوداً بين الأمام الباقر وأخيه زيد لأنه كان يتبع تعاليم واصل بن عطاء المعتزلي. وكان زيد يتحدث بما ينسبه المعتزلي إلى الأمام علي من خطأ في قتل الخوارج، وبما يقوله المعتزلة من أن دوافعه عليه السلام لم تكن الدوافع التي كان يريدها أهل البيت في هذا الشأن. وكان زيد يعتقد كذلك بأن الأمامة كانت مشروطة بقيام الأمام علناً للمطالبة بحقوقه. فرد عليه الباقر يقول: «إذن فأنت لا تعتقد بأمامة أبيك، لأنه لم يقم للمطالبة بحقوقه قط». وهناك غموض يكتنف سبب وفاة الباقر والوقت الذي حصلت فيه الوفاة. فيقول بعضهم ان ابراهيم بن الوليد دس له السم، لكن رواية أخري تقول ان زيداً آخر من أبناء الحسن نازع الأمام علي الميراث، واتفقا علي أن يحتكما عند القاضي. وحينما حكم القاضي في صالح الأمام الباقر استأنف زيد القضية لدى هشام بن عبدالملك. وبتأثير من اتهامات زيد هذا بعث هشام بهدية ذهب إلى حاكم المدينة، وفي صحبتها تعليمات تشير عليه باستحصال الميراث من الباقر، أو المستندات التي يستند اليها في أخذ الميراث. لكن الأمام الباقر سلم إلى حاكم المدينة صندوقاً يحتوي علي المستندات المزيفة التي يستند اليها زيد. وهذه أُرسلت إلى هشام بن عبدالملك في دمشق، وحينما اطلع عليها زيد ،يقن بأنها مزيفة. وتقول رواية الشيعة ان هشاماً أعطي إلى زيد سرجاً مسموماً، واحتال زيد في أن يعطي هذا السرج إلى الأمام الباقر فاستعمله وتسرب السم إلى جسمه الطاهر، فقضي نحبه!! وتقول الرواية كذلك ان الحكمة الألهية شاءت أن تقتص من زيد هذا فأصيب بمرضٍ عضال فقد فيه عقله ومات. ويورد دونالدسون ما يروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري الذي عاش إلى أيام الباقر، ونقل له حديث الرسول(ص).. فقد روي جابر أن رسول الله قال له ذات يوم: يا جابر يوشك أن تلتحق بولد لي من ولد الحسين اسمه كأسمي يبقر العلم بقراً أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فاقرأه عني السلام. قال جابر رضي الله عنه فأخر الله تعالي مدني حتي رأيت الباقر فأقرأته السلام عن جده رسول الله(ص)(3).. ثم يختم الفصل بما جاء من أقوال ومعجزات تنسب إلى الأمام الباقر، ومناقشة يلقي فيها ضوءاً من الشك علي اعتقاد الشيعة بوفاة الباقر مسموماً بتدبير بني أمية. ومع هذا فيقول في النهاية ان التحركات التي نشطت ضد الأمويين كانت تزداد شيئا فشيئاً في تلك الأيام بحيث احتجب في أهميتها الوقت المضبوط الذي انتهت فيه امامة الباقر، الأمام المسالم، وبدت فيه امامة ابنه الصادق، المسالم كذلك. أمام الامام جعفر الصادق(ع) فيقول عنه دونالدسون (الص 129) انه الأمام الذي يشار اليه علي الدوام بكونه الحجة في شؤون الحديث والشرع الأسلامي. وقد عاش خمسة وستين عاماً (83 – 148هـ)، وبذلك عمر أكثر من أي امام آخر من الأئمة المعصومين الأطهار. ويجمع الكتاب علي أن أمه هي أم فروة ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر. ولم يذكر عن هيئته وأوصافه عليه السلام إلا أنه أبيض الوجه والجسم، أسود الشعر، أقني الأنف. كما لم يذكر عن حياته البيتية الا القليل، فقد كان له عشرة اولاء سبعة منهم من زوجتيه الأصليتين وإحداهما تسمي فاطمة، أما الثلاثة الآخرون فمن إمائه وجواريه. وقد عاش الصادق عليه السلام بعيداً عن السياسة وأحوالها بعداً تاماً. فيذكر المسعودي أن ابراهيم الزعيم العباسي حينما قتله مروان الثاني خشي أبو سلمة أن تفشل الدعوة ضد الأمويين فحاول إقناع جعفر الصادق بأن يأتي اليه شخصيا، فيعلن حقه في الأمامة، ويتقبل ولاء الخراسانيين له. علي أن الأمام دعا بمصباح وأحرق كتاب أبي سلمة فيه، ثم قال للرسول الذي حمل الكتاب اليه: أخبر سيدك بما رأيت .. ويذكر الشهرستاني أن معرفة الأمام الصادق بالشؤون الدينية والثقافية كانت ممتازة، وكان علي علم تام بالفلسفة، وبلغ مبلغاً عظيماً من التقوي، وترفع عن الشهوات بالمرة. وقد عاش مدةً طويلة في المدينة بحيث أفاد طائفته وأتباعه إفادةً تامة، ونفع أصدقاءه بالعلوم الخفية. وزار بعد ذلك العراق، لكنه لم يظهر للملأ فيعلن امامته، ولم يبحث في شؤون الخلافة مع أحد. لأنه كان غارقاً في بحور العلم والمعرفة، من دون أن يروقه أي شيء آخر، فمن يرتفع إلى قمة الصدق لا يخشي التدني. وبتعبير آخر: أنً الذي يتفرغ لله ينكمش عن البشر لكن من يعتصم بغير الله تقضي عليه الشهوات(4).. وكان الصادق يتصل بشجرة النبوة من جهة الأب بطبيعة الحال وبأبي بكر الصديق من جهة الأم. ويضيف دونالدسون علي ذلك قوله انه قال ذات يوم: برئت ممن يذكر أبا بكر وعمر بسوء. وقد يكون موقفه هذا تجاه أهل أمه، أو قابليته في تقدير المزايا الحسنة في الخليفتين الأولين، مما ساعده علي تحاشي سوء ظن الخلفاء الذين عاصروه به – أي هشام والوليد وابراهيم ومروان من الأمويين، والسفاح والمنصور من العباسيين.. ويذكر كذلك عن الكليني بعض الكرامات والمعجزات، وعن مقابلاته لأبي جعفر المنصور الذي كان يخشاه ويسيء الظن به. ويظهر مما يذكر عن النمط الذي كان يتبعه الأمام الصادق في حياته العلمية وغيرها وهو قابع في حديقته الجميلة في المدينة، والسخاء الذي كان يبذله في استقبال زواره فيها من جميع الطبقات، بأنه كان يعقد مجامع للمناقشة، أو يدير مدرسة فلسفية علي نمط مدرسة سقراط. فأن عدداً من تلامذته أسهموا اسهاماً خطيراً بعد ذلك في تطور الشريعة والعلوم الدّينية. وقد افتي اثنان من تلامذته بعد ذلك بسنوات، وهما أبو حنيفة وأنس بن مالك، مؤسسا المذهبين الأسلاميين المعترف بهما، إلى سكان المدينة نفسها أن القسم الذي أقسماه عند المنصور لا يمكن أن يعتبر شيئا ملزما لأنه أُعطي بضغط واكراه. ويروي أن تلميذاً آخر من تلامذته، وهو واصل بن عطاء مؤسس طائفة المعتزلة، جاء اليه للمناقشة بنظريات أدت إلى طرده من صفوف الأمام الصادق. وكان جابر بن حيان الذي اشتهر بالكيمياء من تلاميذه كذلك. وقد يكون أبو حنيفة أشد إثارةً للاهتمام من تلامذته، وهو الذي كان يلقي محاضرات عامة في الكوفة تستثير الكثير من العناية والالتفات. وكان يعتمد في استنباط الأحكام علي القياس(5) والرأي، ولذلك انتقده الفقهاء من خصومه في مكة والمدينة. ولا شك أن أحكامه في هذا الشأن كانت تتناول الشرع الأسلامي بوجه عام، ولم يكن ما يصدره من هذا القبيل ذا صفة رسمية لأنه كان يرفض علي الدوام الدخول في خدمة الحكومة لتسم مناصب القضاء. وبذلك استطاع أن يحافظ علي مركزه في أيام الأمويين والعباسيين معاً. ومن المحتمل جداً أنه كان يشايع العلويين بقوة، ويستاء من الكيفية التي كانوا يعاملون بها. ويقول دونالدسون بعد ذلك انه من العجيب أن يكون هذان المشرعان المتعاصران قد استطاعا متابعة أعمالهما الشرعية، الأمام الصادق في المدينة وأبو حنيفة في الكوفة، مدةً طويلة من الزمن في مثل تلك الأزمنة المضطربة.. وقد كان أبو حنيفة يُقدر جد التقدير من قبل مشايعي الأمام الصادق لأنه كان ينتقد أبا جعفر المنصور ومن علي شاكلته من الطغاة الجائرين من بني أمية أو بني العباس. فقد صرح ذات يوم بأن مثل هؤلاء الرجال لو أقدموا في يوم من الأيام علي بناء مسجد من المساجد وكلفوه بمهمة عد الآجر السهلة من أجل ذلك لما فعل ما يريدون «لأنهم من الفساق، والفساق غير جديرين بتزعم المسلمين». وحينما نقل قوله هذا إلى المنصور أمر بالقبض عليه وأودعه السجن حتي توفي فيه. وكانت مكابدته لمثل هذا العناء بسبب قوله ذاك هي التي جلبت له مودة الشيعة وتقديرهم. ويستند دونالدسون في روايته هذه علي ما رواه العلامة المجلسي في «تذكرة الائمة» (الص 130). ويذكر مرجعنا بعد هذا أن رأي الأمام عليه السلام في القدر أو القوة التي تسير الأنسان في أعماله هو رأي وسط، إذ لا «جبر» ولا «تفويض» بل أمرٌ بين أمرين.. ويقول المؤرخ اليعقوبي انه كان من عادة الفقهاء الذين ينقلون عنه أن يقولوا «أخبرنا الأمام الحجة». وحينما نتذكر أن مالك بن أنس (94 – 174 هـ) صاحب كتاب «الموطأ» كان معاصراً الأمام الصادق، أي قبل البخاري ومسلم بمدة تناهز القرن الواحد تقريباً، يكون من المهم جداً أن نجد الأمام الصادق يعتبر صاحب الفضل الأول في القول الذي أصبح بعد ذلك أهم قاعدة يستند اليها المسلمون في الحكم علي صحة ما يروي من الأحاديث النبوية الشريفة، وهو «خذوا ما يتفق منها وكتاب الله، ودعوا ما يخالفه». وبعد أن يورد دونالدسون الكثير من الأقوال والروايات عن معجزات الأمام وحياته العلمية وقواعده الأخلاقية، يذكر نقلاً عن ابن خلكان أنه عليه السلام كتب رسالةً في الكيمياء وكتب في الكهانة والجفر، وأن تلميذه جابر بن حيان كتب كتاباً بألفي صفحة أدرج فيها أبحاث سيده الأمام عن الكيمياء التي كانت تكون خمس مئة رسالة .. وينهي الفصل بقوله ان الأمام توفي في السنة العاشرة من خلافة أبي جعفر المنصور (765 – 148)، وهو التاريخ الذي يتفق عليه المؤرخون بأجمعهم، بعد أن عمر خمساً وستين سنة. وقد سُم عليه السلام بايعاز من الخليفة المنصور الذي كان يحاذر من وجوده وهو من هو بمنزلته بين المسلمين. وقد دفن في مقبرة البقيع في المدينة بالقرب من أبيه وجده. وبقيت على هذا الضريح المطهر لعدة قرون قطعة من المرمر كتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الله الذي يبقي الامم، ويحيي العظام وهي رحيم. هنا قبر فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين، هنا قبر الحسن بن علي ابن أبي طالب، وهنا أيضاً قبر علي بن الحسين، وهنا قبر محمد بن علي كذلك، وهنا قبر جعفر بن محمد رضي الله عنهم أجمعين. وتعليقاً على ذلك نورد ما جاء في (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي (الص 212) في هذا الشأن: «.. ومات الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام سنة 148 في شوال وله من العمر ثمان وستون، أقام فيها مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة سنة وأياماً ومع أبيه محمد بن علي بعد وفاة جده ثلاث عشرة سنة، وبقي بعد موت أبيه أربعاً وثلاثين سنة وهي مدة إمامته عليه السلام. يقال انه مات بالسم في أيام المنصور وقبره بالبقيع دفن في القبر الذي فيه أبوه وجده وعم جده، فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه، وأما أولاده فكانوا سبعة: ستة ذكور وبنت واحدة، وقيل كانوا أكثر من ذلك. والذكور هم: موسي الكاظم واسماعيل، ومحمد وعلي، وعبدالله، واسحق، والبنت اسمها أم فروة رضوان الله عليهم». الرحالة الغربيون في المدينةلقد زار المدينة المنورة عدد غير يسير من الغربيين في مختلف العهود والأدوار، وتسني لهم الدخول إلى الحرم الشريف، بعد أن ذهبوا اليه بصفة مسلمين حقيقيين وغير حقيقيين. وكان عددٌ من هؤلاء من أبرع الكتاب والباحثين، ولذلك استطاعوا أن يكتبوا عن المدينة مؤلفات قيمة ويصفوها وصفاً شاملاً له أهميته القصوي في تاريخ المدينة وتدوين أحوالها. ومعظم هؤلاء كانوا قد زاروا مكة المكرمة كذلك واشتركوا في مناسك الحج فكتبوا أشياء كثيرة عنها، وقد أشرنا إلى ذلك كله بشيء من التفصيل في الحلقة المختصة بمكة من الجزء الأول من سلسلة (العتبات المقدسة) هذه (الص 250 – 336). وأول أوربي زار المدينة في العصور المتأخرة، بعد حجه في مكة بصحبة موكب الحج الشامي، مغامر إيطالي يدعى لو دفيكو فارتيما Ludvicuo Vartouannus من أهالي بولوني الأيطالية وكان قد أبحر من البندقية سنة 1503 متوجهاً إلى الاسكندرية، وتوجه من هناك إلى دمشق الشام حيث ارتبط بصداقة مع ضابط من الضباط المماليك. فقرر الذهاب إلى المدينة ومكة مع صديقه هذا في ضمن موكب الحج الشامي الذي خرج إلى البلاد المقدسة في اليوم الثامن من نيسان، وقد تزيا فارتيما بزي جندي من جنود المماليك. ويظهر من الرحلة(6)التي دونها فارتيما أنه رجل أفّاق، متحامل علي النبي والأسلام، بعيد عن الثقافة والاتزان، ادعى أنه اتصل بكثير من المسلمات في رحلاته، ودون ملاحظات فيها الكثير من الخلط والخرافات. فهو يقول انه وصل مع القافلة إلى جبل بالقرب من المدينة يسكنه قوم من اليهود يبلغ عددهم خمسة آلاف نسمة. وهؤلاء قصار القامة لا يزيد الواحد منهم علي الخمسة أو الستة أشبار أو أقل من ذلك بكثير. ولهؤلاء أصوات رقيقة كأصوات النساء، وبشرة تميل إلى السواد، وهم يعيشون علي لحوم الماعز، وإذا وقع المسلم بأيديهم يسلخون جلده و هو حي!! وحينما وصل إلى المدينة التي يسميها «مدينة النبي» بقي فيها ثلاثة أيام، وهو يدعي أنه دخل الحرم الشريف الذي يسميه المعبد ويصفه وصفاً موجزاً. فيقول أنه مسجد مقبب يدخل اليه من بابين كبيرين، ويحمل سقفه حوالي أربع مئة عمود من الآجر الأبيض!!؛ وفيه عدد كبير من المصابيح المعلقة – الثريات – يناهز الثلاثة آلاف!!! ويشير إلى وجود عدد من الكتب الدينية في جهة من جهات المسجد التي تحتوي علي تعاليم الديانة الأسلامية وحياة النبي وأصحابه. ثم يذكر شيئاً عن القبر المطهر. ويقول انه توجد بقربه قبور أبي بكر وعثمان (كذا) وفاطمة. ومما يقول كذلك ان الأمام علياً هو صهر النبي أو زوج ابنته فاطمة، وان ابابكر وعمر هما من قادة جيوشه. وفي سنة 1678 حج إلى الديار المقدسة شاب إنكليزي يافع من أهالي أوكسفورد يدعي جوزيف بيتس goseph pitts. خرج يبتغي المغامرة والأسفار وهو في السادسة عشرة من عمره. ومن أجل ذلك انخرط في سلك البحرية فوقع أسيراً بأيدي القرصان الجزائريين في البحر المتوسط، فعاش خمس عشرة سنة عبداً عند ضابط من ضباط الخيالة في الجيش الجزائري. وكان هذا قد ألح علي عبده باعتناق الأسلام تكفيراً عن خطاياه هو، فضغط كثيراً علي العبد حتي نطق بالشهادة لكنه ظل يضمر النصرانية في قلبه خلال الوقت الذي قضاه في بلاد الأسلام والمسلمين كله.(7) ( صفحة 280 الى 285) وقد زار بورتون مقبرة البقيع زيارةً خاصة، فخرج مع جماعته من المدينة سالكاً درب الجنازة اليها، الذي يحاذي السور الجنوبي.. وهو يقول عند الوصول اليها ان هناك خبراً يقول ان سبعين ألف قديس، وفي رواية مائة الف، سوف يبعثون يوم القيامة من البقيع. وان عشرة آلاف صحابي، وعدداً لا يحصي من السادة، قد دفنوا في هذه المقبرة علي مر السنين فاندرست علي مر السنين فاندرست قبورهم لأن القبور في الأزمنة القديمة لم تكن توضع عليها شواهد. وأول من سيبعث يوم النشور النبي الأعظم ـ صلّي الله عليه وآله وسلم ـ، وبعده أبوبكر، وبعده عمر، ثم أهل البقيع، ثم دفناء مقبرة «جنة المعلا» في مكة المكرمة. وكان أول شخص في الاسلام دفن في البقيع عثمان بن مظعون، لأنه أول من توفي في المدينة من المهاجرين. ففي اليوم الثالث من شعبان سنة 3 للهجرة قبَّل النبي جبين جثته وأمر بدفنها في مدي الرؤية من مقره. وكان المكان في تلك الأيام حقلاً ينتشر فيه عدد من أشجار الغرقد، فقطعت الأشجار وسويت الأرض فدفن ابن مظعون في وسطها. ثم وضع النبي بيديه الكريمتين حجرين شاهدين كبيرين فوق رأس صاحبه وقدميه. ويقول بورتون في حاشيةٍ له ان مروان بن الحكم رفع هذين الحجرين بعد ذلك حينما قرر عدم تمييز هذا القبر، لكن المسلمين استهجنوا هذا العمل من وكيل معاوية. ولعل ابن مظعون كان من خصوم الأمويين. هذا وقد أُنشئت بمرور الزمن قبة فوق هذا القبر. ثم دفن الي جنبه ابراهيم الابن الثاني للنبي محمد، فأصبح البقيع من بعد ذلك مقبرةً مشهورة. ومدفن الأولياء هذا له شكل متطاول غير منتظم تحيط به جدران متصلة بالضاحية من زاويتها الجنوبية الغربية. ويحجزه درب الجنازة عن سور المدينة، كما يحده من الشمال طريق البادية الشرقي الذي يخرج من باب الجمعة. وتعتبر هذه المقبرة صغيرة اذا ما لو حظ أن جميع من يتوفاه الله في المدينة من أهلها ومن الغرباء يتأملون ان يدفنوا فيها الا الرافضة والكفرة. ولذلك فلابد لها من ان تضيق بجثث الموتي الذين لا يمكن ان تستوعبهم لولا ان الطريقة التي يدفن بها المسلمون موتاهم تساعد علي التفسخ والاندراس.. وليس في داخل المقبرة أزهار ولا أشجار باسقة، ولا كل شيء مما يخفف كآبة المدافن المسيحية في العادة، حتي ان الأبنية التي فيها تعد شيئاً بسيطاً للغاية او حقيراً في الحقيقة. ولقد هدم الأبنية والنصب القديمة التي كانت موجودة فيها الأمير سعود وأتباعه الوهابيون الذين شنوا حملة شعواء ضد ما لا بد من أنهم كانوا يعتبرونه شيئاً باذخاً من الأضرحة، لأنهم يعتقدون بأن خير القبور الدوارس. وكان منظر هذه المقبرة حينما زارها بورخارت من قبل (1814) عبارة عن «..أكوام مبعثرة من التراب، وحفر واسعة، وأنواع من الزبل، من دون شاهدة واحدة علي أي قبر. ويرجع الفضل لما بني منها بعد ذلك الي السلطانين عبدالحميد ومحمود..». ويقول بورتون كذلك:.. وقد دخلت المقبرة المقدسة مقدماً رجلي اليمني كما لو كنت أدخل الي المسجد، وحافي القدمين لأتحاشي اعتباري من الرافضة. فمع ان أهالي المدينة يدخلون اليها بأخذيتهم فانهم يغتاضون كثيراً حينما يرون الايرانيين يفعلون مثلهم. ثم بدأنا بقراءة الزيارة العامة المألوفة.. وأعقبناها بقراءة سورة الاخلاص والشهادة، وبانتهائها رفعنا إيدينا وقرأنا الفاتحة قراءةً خافتة ومسحنا أيدينا علي وجوهنا وتحركنا. وحينما سرنا في ممر ضيق يؤدي من جهة البقيع الغربية الي الجهة الشرقية دخلنا مرقداً متواضعاً أُقيم فوق قبر الخليفة عثمان.. فعند ما قتل أراد أصحابه ان يدفن في «الحجرة»، لكن ثوار مصر قابلوا ذلك بعنف وأقسموا أن لا يدفن هناك ولا يصلي عليه، وانما سمحوا فقط بنقله بعد تهديد حبيبة أم المسلمين (وبنت أبي سفيان) لهم. وفي خلال الليلة التي أعقبت وفاته نقل عثمان الي البقيع من قبل أصحابه، لكنهم طردوا من هناك أيضاً فاضطروا الي ايداع حملهم في بستان تقع في الجهة الشرقية الخارجية من مقبرة الأولياء هذه. وكانت تدعي «حصن كوكب» حتي أدمحها مروان بالبقيع. وقد وقفنا علي مرقد عثمان هذا وتلونا الزيارة.. وبعد ذلك دفعنا الصدقات وأرضينا الخادم بعشرة قروش. وبعد هذا سرنا خطوات قليلة الي الشمال وتوجهنا نحو الشرق فزرنا أبا سعيد الخدري صاحب النبي الذي يقع قبره في خارج البقيع. وكان المكان الثالث الذي زرناه قبة تحتوي علي قبر السيدة حليمة البدوية (السعدية) مرضعة النبي محمد.. ومن هناك توجهنا الي الشمال فوقفنا أمام مبنيً صغير يحتوي علي أكوام بيضوية الشكل من الأحجار المتناثرة، وهي قبور شهداء البقيع الذين قتلهم مسلم قائد كبير الفاسقين يزيد. ويقول بورتون في حاشية له هنا (الص 37 ج2) ان الامام الشافعي يسمح لأتباعه بسب يزيد بن معاوية الذي جعلته قساوته مع آل البيت، وجرائمه وموبقاته، يهودا الأسخريوطي المسلم. وقد سمع بورتون مسلمين أحنافاً يسبون يزيداً كذلك. أما الوقفة الخامسة فكانت بالقرب من وسط المقبرة علي قبر ابراهيم ابن النبي الذي توفي وعمره ستة أشهر، أو سنتان علي قول البعض. وكان ابن مارية القبطيةالتي أهداها الي النبي (ص) جارح مقوقس الاسكندرية في مصر. فقد أهال النبي التراب بيديه الكريمتين عليه، ورشه بالماء، ثم وضع الحجارات الصغيرة فوق ذلك وقرأ السلام الأخير عليه. ولهذا السبب دفن الكثيرون من الرجال المقدسين في هذا الجزء من المقبرة، لأن كل أحد كان يطمع في ان يلحد في الأرض التي شرفتها يدا النبي. وزرنا بعد هذا النافع ابن عمر المسمي نافعاً القاري عادة، لأنه كان يجوّد القرآن، والي جنبه مالك بن أنس ابن المدينة ورجلها الفذ. وكانت الوقفة الثامنة علي قبر عقيل بن أبي طالب أخي الامام علي. وهنا يعلق بورتون في حاشية له ويقول ان عقيلاً توفي دمشق علي عهد معاوية، لكن البعض يذكر انه دفن هناك بينما يقول غيرهم ان جثمانه نقل الي المدينة بعد ذلك ودفن في مكان كان يقوم فيه بيته من قبل وكان يسمي دار عقيل.. وقد زرنا بعد هذه البقعةً التي دفنت فيها أزواج النبي جميعهن عدا خديجة التي دفنت في مكة. وكان محمد(ص) قد تزوج خمس عشرة امرأة عاش منهن بعده تسع، وبعد أمهات المؤمنين قرأنا الفاتحة علي قبور بنات محمد اللواتي يقال أنهن كن عشراً. وبعد ان يصف بورتون (الص 29 ج 2) الشحاذين وأنواعهم وكيف يستقبلون الزوار يقول: .. وقبل ان نترك البقيع وقفنا وقفتنا الحادية عشرة في القبة العباسية، أو قبة العباس عم النبي. وهنا يعلق في الحاشية بقوله ان البعض يرون ان مراسيم الزيارة كانت ولا تزال تبدأ هنا، لكن ترتيب الزيارات يختلف ولا يتفق عليه اثنان، وكانت مسؤولية ما فعله تقع علي ما فعله مزوّره الشيخ حميد، لأنه لم يشأ المجازفة بشيء من عنده .. ثم يستأنف وصف القبة ويقول: وهذه القبة التي بناها الخلفاء العباسيون من قبل في 519 للهجرة أكبر وأجمل جميع القبب الأخري، وتقع علي يمين الداخل من باب المقبرة. ويدل علي أهميتها تجمع الشحاذين بقربها، فقد جاءوا اليها ونكأكأوا عليها حينما وجدوا الايرانيين متجمعين فيها بكثرة وهم يبكون ويصلون ويصلون وبعد أن اجتزت العتبة بصعوبة طفت حول عدد من القبور كانت تشغل وسط المنبي من دون ان يكون بينها وبين الجدار الا ممر ضيق. وهي محاطة بسياج ومغطاة بعدة كساوي من القماش الأخضر المكتوب عليه بأحرف بيضاء وتبدو هذه كأنها كومة مرتبكة، لكنها ربما بدت لي كذلك بسبب الازدحام المحيط بها. وتوجد في القسم الشرقي قبور الحسن بن علي سبط النبي، والامام زين العابدين بن الحسين، وابنه محمد الباقر (الامام الخامس)، ثم ابنه الامام جعفر الصادق ـ وهؤلاء جميعاً من نسل النبي وقد دفنوا في نفس المرقد الذي دفن فيه العباس بن عبدالمطلب عم النبي.. وبعد أن خرجنا وتخلصنا من أيدي الشحاذين الصغار وجّهنا وجهنا نحو الجدار الجنوبي الذي يوجد بقربه قبر ينسب الي السيدة فاطمة وقرأنا الدعاء المعروف. ويقول بورتون في حاشية مستفيضة (الص 41 ج 2): .. ويبدو ان المؤرخين المسلمين يبتهجون بالغموض الذي يكتنف مدفن السيدة فاطمة الزهراء(ع) ... فبعضهم يذكر أنها دفنت في الحرم الشريف ويستند في ذلك الي الرواية التي تقول انها حينما علمت بدنو أجلها قامت فرحة مستبشرة فغسلت الغسل الكبير ولبست ملابسها النظيفة، ثم فرشت حصيراً علي أرض بيتها الواقع بقرب قبر الرسول، وتمددت مستقبلةً القبلة فوضعت يدها تحت خدها وقالت لمن حضر بقربها.. لقد تطهرت ولبست ثيابي الطاهرة، فلا تسمحوا لأحد بأن يكشف عن جسدي بل ادفنوني حيث أنا.. وحينما عاد علي وجد زوجته قد توفيت، ونفذت رغبتها الأخيرة. وقد كان عمر بن عبدالعزيز يعتقد بهذه الرواية فألحق الغرفة تلك بالمسجد، ولذلك فالاعتقاد العام في الاسلام هو ان الزهراء البتول قد دفنت في الحرم. اما اولئك الذين يعتقدون بأنها مدفونة في البقيع فيستندون الي قول الامام الحسن: «.. فاذا لم يسمحوا بدفني عند قبر جدي فادفنوني في البقيع الي جنب أمي فاطمة..» وهؤلاء يرون الخبر التالي في هذا الشأن: .. فقد غسلها وكفنها علي وأم سلمة، اما غيرهم فيقولون ان اسماء بنت عميس زوجة أبي بكر كانت بجنب فاطمة حينما اعترضت في ساعتها الأخيرة علي حملها للدفن كما يحمل الرجال. لكن أسماء وعدتها بأن تصنع لها نعشاً أشبه بمحفة العروس، من جريد النخل، علي غرار ما رأته في الحبشه، وعند ذاك ابتسمت فاطمة للمرة الأولي منذ ان توفي والدها وأخذت عهداً بأن لا يدخل عليها أحد طالما كان جثمانها الطاهر مسجي في البيت. ولذلك لم تسمح أسماء لعائشة بالدخول حينما طرقت الباب عليها بعد ذلك، فذهبت شاكيةً الي أبيها وقالت له ان زوجة أبيها ستعمل محفة عرش خاصة تحمل بها جثة الزهرا الطاهرة الي مدفنها. فذهب أبوبكر الي الباب وسمع من زوجته ما كانت قد أوصت به فاطمة، فعاد راجعاً الي بيته من دون اعتراض. وقد أُخفيت وفاة ابنة النبي عن الكبير والصغير برغبة منها، فدفنت خلال الليل من دون ان يشيع نعشها أو يصلي عليها أحد سويً زوجها الامام علي وعدد قليل من أقربائها.. اما المكان الثالث الذي يقال انها دفنت فيه فهو مسجد صغير في البقيع جنوبي قبة العباس بن عبدالمطلب، وكان يسمي «بيت الحزن» لأنها قضت آخر أيامها فيه تندب فقد ابيها الغالي. ويبدو ان قبرها كان موجوداً هنا من قبل، لكن الزوار يصلون عليها الآن في مكانين: اي في الحرم وفي القبة العباسية.. وبعد ان غادرنا مقبرة البقيع تقدمنا شمالاً تاركين باب المدينة الي يسارنا حتي أتينا علي قبة صغيرة قريبة من الطريق، تحتوي علي قبور عمات النبي ولا سيما صفية بنت عبدالمطلب أخت الحمزة، وإحدي بطلات الاسلام في أول عهده.. ونقول تعليقاً علي ما جاء عن دفن فاطمة الزهراء عليها السلام انه يفهم من هذه الروايات، ومما جاء في «الامامة والسياسة» لابن قتيبة ان الزهراء توفيت وهي غير راضية عن ابي بكر، ولذلك لم تشأ ان يعلم بموتها هو أو غيره لئلا يصلي عليها وهو خليفة للمسلمين فدفنت في بيتها الذي أُدخل في الحرم بعد ذلك. وعلي هذا فقد تكون الرواية المنسوبة الي الامام الحسن، التي يفهم منها انها مدفونة في البقيع، غير صحيحة. (1). يستند دونالدسون في هذا على مروج الذهب للمسعودي والسر ويليام موير: Muir: Sir William - Annals of Early Caliphate, P.409. (2). يستند دونالدسون في هذا على كتاب «الاثنا عشرية» الذي كتبه بالإنكليزية كانون ميل: Sell, Canon-ithna A shariyya, or The Twelve Shi’ah Imams, Madras 1923.p6. . ولا حاجة للإشارة إلى أن كثيراً مما ورد في هذا الفصل لم يخرج عن حدود الخلط سواء كان هذا الخلط من المصادر الضعيفة التي اعتمدها دونالدسون أو الأراء التي استخلصها هو لنفسه. الخليلي (3) . نقلنا النص الأصلي لهذا الحديث عن (الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة) لابن الصباغ المالكي، طبعة النجف، الص 193. (4). هذا ما يقابل النص الوارد بالإنكليزية، أما النص الأصلي الوارد في كتاب الملل والنحل فيقول الشهرستاني فيه «.. وقد أقام في المدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق، وأقام بها مدة ما تعرض للأمامة قط، ولا نازع أحداً في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، و من تعلي إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من أنس بالله توحش عن الناس ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس..» (5). ونري من المناسب في هذا الشأن أن نورد الخبر التالي نقلا عن كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن العاملي: قال عبدالله بن شبرمة دخلت أنا وأبو حنيفة علي جعفر بن محمد فقال لابن أبي ليلى من هذا الذي معك؟ قال هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين، قال لعله يقيس أمر الدين برأيه، قال نعم، قال فقال جعفر بن محمد لأبي حنيفة ما اسك؟ قال نعمان، قال يا نعمان هل قست رأسك بعد؟ قال كيف ،قيس رأسي؟ قال ما أراك تحسن شيئاً، قال هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ قال لا قال ما أراك تحسن شيئاً.. فقال جعفر أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله قال إن الله تعالي بمنه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتا، وأن الله تعالي بمنه وفضله لابن آدم جعل المرارة في لأزنين حجاباً من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وأن الله بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس حلاوة منطقه الخ وهذا الخبر الذي ينسب إلى الإمام الصادق تجاهله لأبي حنيفة وهو من تلامذته حتي ليسأل عن اسمه وشأنه ليتناقض مع الواقع تناقضاً شديدا اللهم إلا أن يكون قد وقع هذا قبل تلمذة أبي حنيفة علي الإمام الصادق وهذا ما نشك فيه. الخليلي (6). أورد الرحالة الإنكليزي المعروف السر ويتشارد بورتون نصوصاً كثيرة من رحلة فارتيما في الملحق الرابع من ملحقات رحلته المنشورة في 1855. وسوف نأتي علي ما فيها بعد هذا. (7). کتاب موسوعة العتبات المقدسة المجلد الثالث الصفحة222 - 238 |