فضائل المدينة المنورة |
ملاحظة لقد اقتبسنا من هذا الكتاب الضخم الصفحات اللصيقة الصلة بموضوع الموقع، ونقلناها نصاً من دون تصرف، وأشرنا إلى صفحات النسخة الأصلية. کما ان هذا الموقع يعنى بالبقيع ويسعى لنقل كل معلومة عنه، وكل ما كتب أو قيل بشأنه _ سلباً أو إيجاباً _ وعرضه بين يدي المراجعين والباحتين، ومن ثم فإن الموقع لايتبنى بالضرورة كل ما يرد فيه من آراء وأقوال. ( من صفحة 273 الى 298) فضائل البقيع من فضائل البقيع ـ وهو من فضائل المدينة النبوية أيضاً ـ ماورد فيه من الفضل الكثير، حيث كان صلي الله عليه وآله وسلم يخرج ليلاً، ليدعوَ ويستغفرَ لأهل البقيع، ويسلمَ عليهم، إضافةً لزياراته في النهار، وحضورِه مشاهِدَ مَنْ يُتوفي من الصحابة، وجلوسه وانتظاره الدفن، يضاف إلي ذلك شفاعتُه وشهادته صلي الله عليه وآله وسلم لمن يموت في المدينة. كما أن من فضائل هذا البقيع أن أهلَه هم أولُ من يُحشر من مقابر الأرض، بعد النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم وصاحبيه أبي بكرٍ وعُمرَ، فيُحشرون في زمرةِ النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم وبرفقته. ثم ما ورد في أهل البقيع من دفن الألوف المؤلفة من الصحابة الكرام ـ وآل البيت ـ والتابعين وتابعيهم، والصالحين والعلماء إلي زماننا، وإلي ما شاء الله تعالي. ثم ما ورد من بعثِ الألوفِ المؤلفةِ من أهل البقيع، يدخلون الجنةَ، وجوهُهم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنةَ بلا حساب، إلي غير ذلك من الفضائل. شفاعته صلي الله عليه وآله وسلم لمن مات بالمدينة: لقد مر هذا العنوان في الباب الثاني وذكرتُ عدداً من الأحاديث. فمن ذلك: ـ ففي حديث عبدالله بن عمرَ ـ والذي فيه ـ «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفعُ لمن يموت بها» رواه أحمد والترمذي وابن حبان وصححاه وابن ماجه وغيرهم. ـ كما مر حديث الصّمَيْتَةِ ـ والذي فيه «... فإنه من يَمُت بها نشفعُ له ونشهدُ له» رواه ابن حبان والطبراني في الكبير والنسائي في الكبري وغيرهم. ـ وحديثُ سُبَيْعةَ الأَسلميةِ، والذي فيه «... فإنه لايموت بها أحدٌ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب وهو حسن. ـ وحديثُ المرأةِ اليتيمةِ - والذي فيه «... فإنه من مات بالمدينة كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة» رواه الطبراني برجال الصحيح. وحديثُ الداريّة والذي فيه: «... فمن مات فيها كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة» رواه الطبراني في الكبير برجال ثقات. وحديثُ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، والذي فيه «من مات في أحد الحرمين بُعث أمناً يوم القيامة» رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن، وله شواهد أخري أيضاً. والله أعلم. وأغلب الذين كانوا يتوفون في زمن النيّ صلي الله عليه وآله وسلم، ويشهد جنائزهم: إنما يُدفنون في البقيع. نعم يوجد في ذلك الوقت مقابرُ أخري، منها التي عند مسجدِ القبلتين، وهل هي المسوّرُ عليها الآن أم غيرها؟ ـ الله أعلم بذلك ـ كما يوجد مقبرة عند مسجد الفتح، ولم يكن البقيع مقبرة، وأول من دفن فيه هو عثمان بن مظعون رضي الله عنه. أول من دفن بالبقيع: إن أول رجل مات من المهاجرين في المدينة: عثمانُ بنُ مظعونٍ رضي الله عنه، وهو أول من دفن بالبقيع(1). رضي الله عنه. وجعله صلي الله عليه وآله وسلم سلفاً، يَدفن إليه من مات من أهله. فدفن إليه ولدَه إبراهيم وابنتَه زينبَ رضي الله عنهما، وقيل:أول من دفن أسعد بن زرارة ـ في قول الأنصار ـ أما المهاجرون فيقولون: أول من دفن في قول الأنصار ـ أما المهاجرون فيقولون: أول من دفن في البقيع عثمان بن مظعون رضي الله عنه، والله أعلم. ثم تلاحقت قبور المهاجرين والأنصار، حتي قيل: دفن في البقيع عشرةُ آلافِ صحابي. رضي الله عنهم، والله أعلم. 1104ـ فعن المطلب بن عبدالله بن حَنْطَب رحمه الله قال: لما مات عثمانُ بنُ مظعون أخرج بجنازته فدفن، أمر النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم رجلاً أن يأتيَه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم، وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسولِ الله صلي الله عليه وآله وسلم: كأني أنظر إلي بياضِ ذراعَيْ رسولِ الله صلي الله عليه وآله وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها، فوضعها عند رأسه، وقال: «أتعَلَّمُ بها قبرَ أخي، وأدفنُ إليه مَنْ مات من أهلي» رواه أبو داود(2) وابن شبة بسند حسن، ووهم من ظنه مرسلاً، لقوله في الحديث: «قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: كأني أنظر...». ـ وله شاهد من حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عند ابن ماجه بإسناد حسن أيضاً(3). 1105ـ وعن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: لما مات عثمانُ بنُ مظعون ـ رضي الله عنه ـ أشفق المسلمون عليه،فلما مات إبراهيمُ بنُ رسولِ الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: «الحَقْ بسلفِنا الصالحِ عثمانَ بنِ مظعون» رواه الطبراني ورجاله ثقات(4). 1106ـ وعن عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما مات عثمانُ بنُ مظعونٍ ـ رضي الله عنه ـ قالت امرأة: هنيئاً لك الجنة: عثمانَ بنَ مظعون، فنظر رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم إليها نظرَ غضبان، فقال: «وما يدريكِ؟» قالت: يا رسول الله فارِسُك وصاحبُك! فقال رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم: «والله إني رسولُ الله، وما أدري ما يفعلُ بي» فأشفق الناسُ علي عثمان. فلما ماتت زينبُ ابنةُ رسولِ الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ ورضي عنها ـ قال رسولُ صلي الله عليه وآله وسلم: «الحقي بسلفِنا الصالحِ الخيِّرِ: عثمان بنِ مظعون...» الحديث رواه أحمد والطبراني والحاكم وابن سعد وأبو نعيم، وابن شبة. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: إسناده صالح. وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف(5). اهـ. 1107ـ قلت: وقع في روايةِ لأحمد، وابنِ شبة، والطبراني وأبي نعيم... وكذا رواه الطبرانيُّ في الأوسط من حديث أنس رضي الله عنه ـ لكن في إسناده صالح المري وهو ضعيف(6) ـ « لما ماتت رقيةُ» بدلاً من «زينب» وهذا وهم، لأن رقيةَ رضي الله عنها توفيت والنبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم في بدر، فلما جاءالبشير بالنصر وجد عثمانَ بنَ عفانَ قد انتهي من دفنها، ومعه أسامةُ بنُ زيد. وأيضاً: كانت وفاةُ رقيةَ رضي الله عنها قبل وفاةِ عثمانَ بنِ مظعونٍ رضي الله عنه، لأنه شهد بدراً، فكان هو في بدر ورقية رضي الله عنها توفيت بالمدينة، فكيف تدفن بجواره. والصواب في ذلك ـ والله أعلم ـ ما جاء في هذه الرواية التي ذكرتُها ـ أول ـ وهي (زينب) ويحتمل أن تكون أمّ كلثوم رضي الله عنها، لأن النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم شهد دفنها، وجلس عند قبرها، وكانت ورُقَيَّةُ زوجَتَيْ عثمانَ بنِ عفان ً، وكان قد تزوج رُقيَّةَ في مكةَ. ثم هاجر بها إلي الحبشة، ثم إلي المدينة، فلما توفيت؛ زوّجَه رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم أختَها أُمَّ كُلثوم رضي الله عنها، فماتت عنده أيضاً، والله أعلم. وقوله: «قالت امرأة» اختلف فيها، فقيل زوجه، وقيل أم خارجة ابن زيد، وقيل: أم العلاء الأنصارية، والله أعلم. وقوله: ـ في الرواية الأولي ـ «أتعلم بها قبر أخي» أي من الرضاعة. والله أعلم. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالي ـ ذكر أشهر من دفن في البقيع. زيارات النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم المتكررة لأهل البقيع: لقد كان النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم يُكثرُ زيارة أهل البقيع، يسلّمُ عليهم، ويستغفرُ لهم، إذ قلَّ أسبوع إلا ويأتيهم. عدا ما يكون من الدفن وتشييعه الجنائز. 1108ـ فعن عائشة قالت: كان رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ كلما كان ليلتُها من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ يخرجُ من آخر الليل إلي البقيع، فيقول: «السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجَّلون، وإِنَّا إنْ شاء اللهُ بكم لا حقون، اللهم اغفر لأهلِ بقيعِ الغرقَدِ. رواه مسلم(7). فقوله: «كلما كان ليلتها ... يخرج...» دليل علي تكرار ذلك واستمرارِه، لأن هذه اللفظة من ألفاظ العموم، فتقتضي التجدَد والاستمرار ـ وفعل المضارع «يخرج» يقتضي التجدد والاستمرار والتكرار أيضاً، والله أعلم. 1109ـ وعن عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: مرَّ رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم بقبورِ أهلِ المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: «السلامُ عليكم يا أهل القبور، ويغفرُ اللهُ لنا ولكم، أنتم لنا سَلَِفٌ، ونحن بالأثر» رواه الترمذي وحسنه(8). 1110ـ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلي الله عليه وآله وسلم خرج إلي المقبرة فقال: «السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنّا إنْ شاء الله بكم لاحقون. وَدِدْتُ أني قد رأيتُ إخوانَنا...» الحديث، رواه مالك وأحمد ومسلم وغيرهم(9). 1111ـ وعن بَشيرِ بنِ الخَصاصية قال: أتيتُ النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم، فلحقتُه بالبقيع، فسمعتُه يقول: «السلامُ علي أهل الديارِ من المؤمنين». وانقطع شسعي، فقال لي: «انعش قَدَمَكَ» قلت: يا رسول الله طالت عُزوبَتي، ونأيتُ عن دار قومي، قال:«يا بشيرُ ألا تحمد الذي أخذ بناصِيتك من بين ربيعةَ: قومٍ يرون لولاهم انكفت الأرضُ بمن عليها» رواه الطبراني في الكبير والأوسط برجال ثقات(10). إلي غير ذلك من النصوص الكثيرة في زيارة النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم لأهل البقيع. وأما جلوسه صلي الله عليه وآله وسلم عند القبر في البقيع أثناءَ الدفن، وتحديثُه أصحابَه رضي الله عنهم ريثما ينتهي حفرُ القبر، أو دفنُ الميت، فكثير هو الآخر. وقد كان صلي الله عليه وآله وسلم قد نهي عن زيارةِ القبور، لأن الناسَ حديثو عهد بشرك وبعبادةِ الأوثان... فلما تمكن الإيمان من نفوسهم أذن لهم صلي الله عليه وآله وسلم بزيارةِ القبور، لتذكّرهم الآخرة، وكان النهيُ باديء ذي بدء أشدّ علي النساء، لذا ورد اللعنُ في حق الزائرات، فلما زار صلي الله عليه وآله وسلم قبرَ أمه ـ بعد أن أذن الله تعالي له بذلك ـ أذن بزيارة القبور، وذلك في «فتح مكة»(11). 1112ـ فعن أبي هريرة قال: زار النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم قبرَ أمه، فبكي وأبكي من حوله... الحديث وفي آخره: «... واستأذنتُه في أن أزورَ قبرَها فأذن لي، فزوروا القبورَ، فإنها تذكّرُ الموت». رواه مسلم(12). وهو مروي عن غير أبي هريرة كبريدة. ولهذا تواتر عنه صلي الله عليه وآله وسلم قولُه: «قد نهيتُكم عن زيارةِ القبور فزوروها...» حيث ورد من حديث بُريدة، وأبي هريرةَ، وعليٍّ، وأمِّ عطيةَ، وابنِ عباسٍ، وعائشةَ، وأبي سعيدٍ، وأمِّ سَلَمةَ، وزيدِ بن الخطابِ، وثوبانَ، وابن مسعودٍ، وأنسِ، وواسعِ بنِ حِبانَ، وأبي ذرٍّ وزيدِ بنِ ثابت(13)، رضي الله عنهم. والله أعلم. فكما جاء النهيُّ عاماً، جاءالإذن عاماً أيضاً، مع تقييده بتذكّرِ الآخرة، والعبرة. 1113ـ وعن عبدالله بن أبي مُلَيْكَةَ رحمه الله، أن عائشةَ أقبلت ذات يومٍ من المقابر، فقلتُ لها: يا أمَّ المؤمنين من أين أقبلتِ؟ قالت: من قبر أخي عبدالرحمن بن ابي بكر فقلت لها: أليس كان رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهي، ثم أَمَرَ بزيارتِها. رواه الحاكم، وصححه الذهبي. ورواه ابن ماجه والبزار مختصراً. وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وقال البوصيري: إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات(14). 1114ـ وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم بامرأَةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: «اتقي الله واصبري» قالت: إليكَ عني، فإِنّك لم تُصَبْ بمصيبتي ـ ولم تعرفْه ـ فقيل لها: إنه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم. فأتت صلي الله عليه وآله وسلم، فلم تجد عنده بَوَّابِين، فقالت: لم أعرفْك، فقال: «إنما الصبرُ عند الصدمة الأولي» متفق عليه(15). فدخولُ النساءِ في الإذنِ بزيارة القبورِ هو مذهبُ أكثر العلماء، ومحلُّه ماإذا أمنت الفتنة(16)، والله تعالي أعلم، وسيأتي حديثُ السيدةِ عائشة وفيه: ماتقول إذا زارت القبور. أمرُ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في زيارة البقيع: ومن فضائل البقيع، أن الله تعالي أمر نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم أن يأتِيَهُ، ويستغفَر لأهلِه، وكان هذا في آخر حياته صلي الله عليه وآله وسلم، ولعله كان في حال وداعه للأحياء والأموات، وإن كان صلي الله عليه وآله وسلم كان يأتيهم فيستغفر لهم ويدعو لهم، ويسلّم عليهم. 1115ـ فعن عائشة قالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ بلي، قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم فيها عندي، انقلب، فوضع رداءه، وخلع نعلَيْه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرفَ إزارِه علي فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أنْ قد رقدتُ، فأخذ رداءَه رُويداً، وانتعل رُويداً، وفتح، الباب، فخرج، ثم أجافه رويداً، فجعلتُ، درعي في رأسي، وفتح الباب، فخرج، ثم أجافه رويداً، فجعلتُ درعي في رأسي، واختمرتُ وتقنَّعْتُ إزاري، ثم انطلقتُ علي إثره، حتي جاء البقيعَ، فقام، فأطال القيامَ. ثم رفع يديه ثلاثَ مرات، ثم انحرف، فانحرفتُ، فأسرع، فأسرعتُ، فهرولَ، فهرولتُ، فأحْضَرَ، فأحْضَرتُ، فسبقتُه، فدخلتُ، فليس إلا أن اضطجعتُ، فدخل. فقال: «مالك يا عائشُ حشيا رابية؟» قالت: قلت: لا شيء، قال: «لَتُخْبريني، أو لَيُخْبرني اللطيفُ الخبيرُ». قالت: قلت: يا رسول الله ـ بأبي أنت وأمي ـ فأخبرتُه. قال: «فأنتٍ السوادُ الذي رأيتُ أمامي؟». قلت: نعم. فلهدني في صدري لهدة أوجعتني. ثم قال: «أظننتِ أن يحيفَ اللهُ عليك ورسولُه؟». قالت: مهما يكتمِ الناسُ يعلمه اللهُ. نعم. قال: «فإِن جبريلَ أتاني حين رأيتِ. فناداني، فأخفاه منكِ، فأجبتُه، فأخفيتُه منكِ. ولم يكن يدخلُ عليك وقد وضعتِ ثيابَكِ، وظننتُ أن قد رقدتِ. فكرهتُ أن أوقظَكِ. وخشيتُ أن تستوحشي. فقال: إنّ ربّك يأمُركَ أن تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهم». قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟. قال: قولي: «السلامُ علي أهل الديارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحمُ اللهُ المُسْتقدِمين منا والمُسْتأْخِرين، وإنّا إن شاء اللهُ بكم للاحقون» رواه مسلم(17). فقوله: «فأَحضر فأحضرت» الإحضار: العَدْوُ، وهو فوق الهرولة، أي رَكَضَ فركضتُ. وقوله: «مالَكِ يا عائشُ حشيا رابية» حشيا: الربو والتهيج الذي يحصل للمسرع في مشيه والمحتدّ في كلامه، وهو من ارتفاع النّفَس وتواتره، ورابية: أي مرتفعة البطن. 1116ـ وعنها قالت: قام رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فلبس ثيابَه، ثم خرج، قالت: فأمرتُ جاريتي بَريرةَ تتبعه، فتبعتْه، حتي جاء البقيعَ. فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقفَ، ثم انصرف، فسبقتْه بريرةُ، فأخبرتني. فلم أذكرْ له شيئاً حتي أصبح، ثم ذكرت ذلك له. فقال: «إني بُعثتُ إلي أهلِ البقيع لأُصلِّي عليهم» رواه مالك والنسائي وابن شبة وأحمد، وصححه ابن حبان والحاكم ـ وأقره الذهبي(18). 1117ـ وعنها قالت: فقدته (تعني: النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم) فإذا هو بالبقيع، فقال: «السلامُ عليكم، دارَ قوم مؤمنين، أنتم لنا فَرَطٌ، وإنّا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرَهم، ولا تفتِنّا بعدَهم». رواه أبو داود وابن ماجه وابن شبة وأحمد(19). 1118ـ وعن أبي مويهبة ـ مولي رسولِ الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ ورضي عنه قال: أمر رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يصلي علي أهل البقيع، فصلي عليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليلةَ ثلاثَ مرات، فلما كانت ليلة الثانية قال: «يا أبا مويهبة، أسرج لي دابتي» قال: فركب، ومشيت، حتي انتهي إليهم، فنزل عن دابته، وأمسكتُ الدابة، ووقف عليهم ـ أو قال: قام عليهم ـ فقال: «ليهنكم ما أنتم فيه، مما فيه الناسُ، أتَت الفتنُ كقطع الليل، يركبُ بعضُها بعضاً، الآخرةُ أشدُّ من الأولي، فليهنكم ما أنتم فيه». ثم رجع فقال: «يا أبا مويهبة إني أُعطيت ـ أو قال: خُيرتُ ـ مفاتيحَ ما يُفتحُ علي أمتي من بعدي والجنةَ، أو لقاء ربي». فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، فأخبرني. قال: «لأن ترد علي عقبها ما شاء الله، فاخترت لقاءَ ربي عزّ وجلّ». فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً أو ثمانياً حتي قُبض صلي الله عليه وآله وسلم. 1119ـ وفي روايةٍ عنه عنه قال: بعثني رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم من جوف الليل، فقال: «يا أبا مويهبة إني قد أُمرتُ أن أستغفرَ لأهل البقيعِ، فانطلِق معي». فأنطلقتُ معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: «السَلامُ عليكم يا أهلَ المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناسُ، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتنُ كقطع الليل المظلم، يتبع أولُها آخرها، الآخرةُ شرٌّ من الأولي». قال: ثم أقبل عليّ فقال: «يا أبا مويهبة إني قد أوتيتُ مفاتيحَ خزائن الدنيا والخلدَ فيها ثم الجنة، وخُيرتُ بين ذلك وبين لقاءِ ربي عزوجل والجنة». قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلدَ فيها ثم الجنة. قال: «لا، والله يا أبا مويهبة، لقد اخترتُ لقاءَ ربي والجنةَ». ثم استغفرَ لأهل البقيع، ثم انصرف، فبديء رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم في وجعه الذي قبضه اللهُ عزوجل فيه حين أصبح. رواه أحمد والطبراني في الكبير ـ بإسنادين وأحدهما ثقات. والدارمي والدولابي ـ في الكني ـ وابن سعد وحماد بن إسماعيل في تركة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والحاكم ـ وصححه علي شرط مسلم، وأقره الذهبي، وابن إسحق، والبخاري ـ في الكني ـ والبزار مختصراً(20). إلي غير ذلك من النصوص التي فيها استغفارُ النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأهل البقيع، ودعاؤه لهم، وسلامُه عليهم، وتوديعُه لهم صلي الله عليه وآله وسلم. وفي هذه النصوص المذكورة هنا أذكر بعض الفوائد: 1ـ الأمر بالاستغفار لأهل البقيع، وهذا واضح من حديث السيدةِ عائشة وأبي مويهبة «ِإن ربك يأمرك أن تأتي أهلَ البقيع فتستغفر لهم» «إني بعثت إلي أهل البقيع لأصلي عليهم» «أمر رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يصليَ علي أهلِ البقيع» «يا أبا مويهبة إني قد أُمرتُ أن أستغفرَ لأهل البقيع». 2ـ كون هذا الأمر من الله تعالي إنما كان في آخر حياته صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا واضح من حديث أبي مويهبة «فبديء رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم في وجعه الذي قبضه الله عزوجل فيه حين أصبح» وفي الرواية الأولي «فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً أو ثمانياً حتي قُبض صلي الله عليه وآله وسلم» وكذا ما جاء في رواية السيدة عائشة في غير التي ذكرتها «فقلت: وارأساه...»(21). ويكون بذلك صلي الله عليه وآله وسلم قد ودّع أهلَ البقيع، كما ودّع أهلَ أحد، رضي الله عنهم، وسيأتي مزيد لذلك. 3ـ من الملاحظ أنّ كلّ هذه النصوص إنما جاءت الزيارة فيها لأهل البقيع للدعاء لهم، والاستغفار لهم... في الليل. كما جاءت الروايات السابقة في النهار. وفي هذا دليل علي جواز زيارة القبور في الليل والنهار حسب ما تيسر. والله تعالي أعلم. 4ـ ما جاء في بعض الروايات من لفظ الصلاة «إني بعثت إلي أهل البقيعُ لأصَلّي عليهم» «أمر رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يصلّيَ علي أهل البقيع» فيحتمل هذا اللفظ أحد أمرين: أن يدعوَ لهم، ويكون المراد المعني اللغوي. ويشهد لهذا الرواياتُ الأخري «قد أُمرتُ أن أستغفر لأهل البقيع» «إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» وهذا هو الأظهر ـ والله تعالي أعلم. ويحتمل: أن يصليَ عليهم كصلاته علي الجنازة. وقد أشرت إلي هذا في شهداء أحد. ولا أعلم أحداً يقول بجواز الصلاة علي الشهيد بعد دفنه بثماني سنين(22). 5ـ حديثُ السيدةِ عائشة يدل علي جواز زيارة القبورِ للذكور والإناث، وأن النهي منسوخٌ، وكانت تروي ذلك، وبينتُ ذلك عقبَ زيارتِها لقبر أخيها عبدالرحمن، كما بينتُ ذلك قبل قليل. 6ـ اختيار النبي صلي الله عليه وآله وسلم الرفيق الأعلي علي الدنيا. وعدمُ رغبته الخلودَ فيها. ومن أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه. إلي غير ذلك من الفوائد، والله تعالي أعلم. أهل البقيع أول المقابر حشراً: ومن فضائل أهل البقيع أن يكون أول المقابر حشراً، وذلك إذا نفخ إسرافيلُ عليه السلام في الصور، يكون النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم أولَ الناس بعثاً، ثم أبوبكر ثم عُمرُ. ثم يأتي صلي الله عليه وآله وسلم أهلَ البقيع فيحشرون، ثم ينتظر أهلَ مكةَ، فيُحشرُ بين أهلَي الحرمين، فيكونون في زمرته، فهم في الدنيا جيرانُه صلي الله عليه وآله وسلم، وفي البعث في زمرته صلي الله عليه وآله وسلم، وإن شاء الله يكونون في الجنة معه صلي الله عليه وآله وسلم بشفاعته. والله تعالي أعلم. 1120ـ فعن عبدالله بن عمر قال: قال رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أنا أولُ من تنشقّ عنه الأرضُ، ثم أبوبكر، ثم عُمر، ثم آتي أهلَ البقيع، فيحشرون معي، ثم انتظر أهلَ مكة، فأُحْشَر بين الحرمين» رواه أحمد، والترمذي ـ وحسنه ـ والطبراني، وابن حبان والحاكم ـ وصححاه ـ وابن عدي في الكامل ـ من طريقين ـ وقال الذهبي: عاصم أخو عبدالله ضعفوه. اهـ وقال عنه ابن عدي: أحاديثه حسان، ومع ضعفه يكتب حديثه. اهـ وحسنه السيوطي. وقد صحح له الترمذي سننه أيضاً. والله أعلم(23). وللحديث شاهد ـ بلفظه ـ من حديث أبي هريرة ، رواه ابن عساكر. وابن النجار(24)، من طريق عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، . والله أعلم. ورواه رزين ـ تتمة الحديث السابق «من استطاع أن يموت بالمدينة» والله أعلم. يبعث من البقيع سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب: ومن فضائل البقيع أيضاً ـ وهو في فضائل المدينة المكرمة أيضاً ـ أن الله سبحانه وتعالي سيبعث منه يوم القيامة سبعين ألفا، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب. وهذا فضل من الله تعالي، وليس ذلك بمستنكر، إذ من الصحابة عشرة آلاف، وكم من التابعين والصالحين ـ والعلماء والعباد... وهذا العدد غير العدد الذي سيتقدم هذه الأمة عند حشرها، لأنه سيُدخل مع كل ألفٍ سبعين ألفاً، والله أعلم. 1121ـ فعن أم قيسٍ بنتِ محصن رضي الله عنها، أن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: «أترين هذه المقبرة ـ (لبقيع الغرقد)؟ يبعث الله منها سبعين ألفاً يوم القيامة، علي صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب» فقام عكاشةُ بنُ محصن: فقال: وأنا يا رسول الله؟ فقال: «وأنت» فقام آخر فقال: وأنا يا رسول الله؟ فقال: «سبقك بها عكاشة» رواه الطيالسي وابن شبة ـ من طريقين ـ والطبراني في الكبير، ومحمد بن سنجر في مسنده، وابن حبان في ثقاته. والحاكم في المستدرك وسكت عنه وكذا الذهبي. وكلهم من طريق سعد بن زياد أبي عاصم، عن نافع مولي حمنة بنت شجاع، عن أم قيس. وقد ذكر ابن حبان سعداً ونافعاً في ثقاته. وذكرهما البخاري في تاريخه، ولم يذكر فيهما شيئاً. وذكرهما ابن أبي حاتم فنقل عن أبيه قوله في سعد: يكتب حديثه وليس بالمتين. اهـ ورواه الديلمي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ـ فهو شاهد له، ورواه ابن شبة عن ابن المنكدر مرسلاً، وعن غيره(25). وقد جاء هذا الحديث في الصحيحين من غير تقييد بالبقيع. 1122ـ فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر. قال أبو هريرة: فقام عكاشةُ بنُ محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «اللهم اجعله منهم». ثم قام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «سبقك بها عكاشة» متفق عليه(26). وقد ورد هذا الحديث عندهما، من حديث سهل بن سعد، وابن عباس، ومن حديث عمران بن حصين عند مسلم أيضا(27). فهل ما في حديث هؤلاء هو ما في حديث أم قيس، أم هو قصة أخري؟ كله محتمل. والذي يدل علي التعدد ما يلي: حديث ابن عباس ورد فيه أن السبعين ألفاً يتقدمون الأمة ساعة العرض، ولفظ الحديث ما يلي: أولاً حديث ابن عباس. 1123ـ عنه قال: قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: «عُرضت عليّ الأممُ، فأخذ النبيّ يمر معه الأمّةُ، والنبيُّ يمر معه النفرُ، والنبيّ يمر معه العشرةُ، والنبيّ يمر معه الأمّةُ، والنبيّ يمر معه النفرُ، والنبيّ يمر معه العشرةُ، والنبيُّ يمر معه الخمسةُ والنبيُّ يمر وحده. فنظرتُ فإذا سوادٌ كثيرٌ، قلت: يا جبريلُ هؤلاء أمتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلي الأفق، فنظرت فإذا سوادٌ كثيرٌ ]وعند مسلم: فإذا سوادٌ عظيم، فقيل لي: انظر إلي الأفق الآخر. فإذا سوادٌ عظيم، فقيل لي: هذه أمتك[ وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب...» الحديث متفق عليه(28). فهؤلاء السبعون ألفاً جاء وصفهم بأنهم «لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون» كما هو عندهما. وليس ذلك وارد في رواية أبي هريرة وغيره، مع ورد ذلك في رواية عمران ابن حصين عند مسلم أيضاً. ثانيا: الزيادة علي السبعين ألفاً، حيث جاءت عددٌ من الأحاديث فيها زيادةٌ علي ذكر السبعين ألفاً. فمن ذلك. 1124ـ عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «سألت ربي عزوجل، فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً علي صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت، فزادني مع كل ألفٍ سبعين ألفاً، فقلت: أي ربّ إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذن أكملهم لك من الأعراب» رواه أحمد برجال الصحيح(29). وورد هذا المعني عن أبي سعد الأنصاريّ عند الطبراني برجال ثقات. وعن أبي أيوب عند أحمد والطبراني. وعن ثوبان عند أحمد والطبراني. وعن الفلتان عند البزار برجال ثقات. وعن أنس عند البزار. وعن غيرهم. وما جاء من زيادة مائة ألف، أو أربعمائة ألف... فعن أنس بن مالك : أربعمائة ألف، وَحَثَيات. كما عند أحمد والطبراني برجال الصحيح. وعن عمير : ثلاثمائة ألف، وعن أنس : مائة ألف وحثيات، كما عند أحمد والطبراني بسند حسن. بل مع كل واحد من السبعين ألفاً أعطي سبعين ألفاً أيضاً، كما في حديث عامر بن عمير عند الطبراني، وحديث أبي بكر ـ ـ عند احمد وأبي يعلي وحديث عبدالرحمن ابن أبي بكر عند أحمد والبزار، وحديث أنس عند أبي يعلي. بل زيادة علي كل ذلك ثلاث حثيات من حثيات ربنا سبحانه وتعالي كما في حديث أبي سعد الأنصاري عند الطبراني في الكبير والأوسط برجال ثقات. وحديث أبي أمامة عند الطبراني ورجاله وثقوا. ووارد عن أنس عند أبي يعلي وأحمد والطبراني وغيرهم(30). 1125ـ عن أبي أمامة قال: سمعتُ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لاحساب عليهم ولا عذاب. مع كل ألفٍ سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثياته» رواه الترمذي ـ وحسنه ـ واللفظ له، وابن ماجه وأحمد وابن أبي شيبة والطبراني وابن حبان(31) بسند صحيح. والله أعلم. فهذه النصوص تقوي بعضها بعضاً، وتدل علي الزيادة، وعلي تكرر العطاء، وما جاء في حديث أمّ قيس إنما هو خصوصية بمن يدفن في البقيع، من هذه الأمة، وهي مزية عظيمة لأهل المدينة ـ كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله(32)، ولا مانع من وقوع هذه العطاءات من الله تعالي(33). طالما أن الكلّ فضل من الله تعالي. كما أنه لا تعارض بين هذه النصوص، وإنما تحمل علي أن الله تعالي أعطاه أولا سبعين ألفا، ثم زاده بعد ذلك مع كل ألف سبعين ألفا، ثم زاده مع كل واحد سبعين ألفا، ثم زاده الحثيات. ولا مانع أن يعطيه أيضا من ذلك أن يكون من أهل البقيع من يدخل الجنة بغير حساب، وهم سبعون ألفا، والله تعالي أعلم. كما لا يفوتني أن أنبه أن الأعداد التي يدخلها الله تعالي الجنة من هذه الأمة هم ليسوا من الصحابة الكرام، وإنما هم بعد الصحابة، ودخول الصحابة الجنة إنما قبل هؤلاء بزمن. 1126ـ فعن رفاعة بن عرابة الجهني قال: أقبلنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ فذكر الحديث و فيه ـ : فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «أشهد عند الله لايموت عبدٌ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله صادقاً من قلبه، ثم يسدّد، إلا سلك في الجنة. وقد وعدني ربي عزوجل أن يدخل من أمتي سبعين ألفاً، لا حساب عليهم ولا عذاب. وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتي تبوّؤا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة...» رواه أحمد والطيالسي وابن ماجه والطبراني والبزار ـ برجال الصحيح ـ علي شرط الشيخين ـ وصححه ابن خزيمة وابن حبان. ورواه ابن أبي شيبة مختصراً. والله أعلم(34). أشهر من دفن بالبقيع من الصحابة: قال الإمام مالك رحمه الله تعالي ـ كما ذكره القاضي عياض رحمه الله ـ: مات بالمدينة من الصحابة نحو من عشرة آلاف، وباقيهم تفرقوا في البلدان. ا هـ ولهذا يصعب ذكرُ أو استيعابُ مَن توفي بالمدينة منهم، ولكني سأشير إشارةً إلي بعضهم. أقارب النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أولاد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم «إبراهيم، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة». عمّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وعماته رضي الله عنهم «العباسُ بنُ عبدالمطلب. (حمزة رضي الله عنه في أحد) وصفية بنتُ عبدالمطلب رضي الله عنها. زوجاتُ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، (عائشةُ، وسودةُ بنتُ زمعة، وحفصةُ بنتُ عمر بن الخطاب، وزينبُ بنتُ خزيمة، وزينب بنت جحش، وأمّ حبيبة، وأمّ سلمة، وجويريةُ بنتُ الحارث، وصفيةُ بنتُ حُيَي، بالإضافة إلي مارية القبطية، وريحانةِ بنتِ شمعون). ومن أقارب النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: الحسنُ بنُ عليّ بن أبي طالب، وعبدالله بن عثمان بن عفان ـ ابن رقية بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم ـ وربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب. ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب. وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب. وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب ـ ويقال:عقيل بن أبي طالب ـ وحليمة السعدية: مرضعة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وركانة بن عبد يزيد المطلبي، رضي الله تعالي عنهم جميعاً. ومن العشرة المبشرين: سعدُ بنُ أبي وقاص، وسعيدُ بنُ زيد، وعبدُالرحمن بن عوف ـ وكان قبر عثمان في حشّ كوكب شرقي البقيع، فلما توسع البقيع أدخل فيه-. ومن موالي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أسامةُ بن زيد، ووردان، وأبو رافع، ويسار الراعي الذي قتله العرنيّون، وأبو كبشة، وأم أيمن،. وممن دفن من المهاجرين: الأرقمُ بن أبي الأرقم، وجعدة بن هبيرة، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وحويطب بن عبدالعزي، وخنيس بن حذافة السهمي، وحجاج بن علاط السلمي، وسلمةُ بن الأكوع، وسعد القرظ ـ المؤذن ـ وسهلُ بن بيضاء، وسُهيل بن بيضاء، وصفوان بن قدامة، وصُهيب بن سنان الرومي، وعامر بن ربيعة، وعبدالله بن أبي بكر الصديق، وعبدُ الله بن زمعة، وعبدالله بنُ عامر، وعبدُالله بن مسعود، وابن أبي حدرد، وعبدُالله بن مظعون، وعتبةُ بن مسعود، وعمرو بن أبي سرح، وعمرو بن أمية الضمري، وابنُ أم مكتوم، وعمرُو بنُ عوف، وعُمير بن عوف، ومَخْرمةُ بن نوفل، ومسعودُ ابنُ ربيعة، ومطيعُ بن الأسود، والمطلبُ بن أبي وَداعة، ومعقِلُ بن سِنان، وأبو شُريح الخزاعي، وأبو فُكَيهة، وأبو مرثد الغنوي، وأبو هريرة، وأبو سلمة بن عبدالأسد، وولده عُمر بن أبي سلمة ربيبُ النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وعثمانُ بن مظعون،s. وأروي بنت كريز، والشفاء بنت عوف ـ أم عبدالرحمن بن عوف ـ وأم رومان ـ أم عائشة أم المؤمنين ـ وفاطمةُ بنت أسد ـ أمُّ عليّ ابن أبي طالب ـ رضي الله تعالي عنهم جميعاً. وممن دفن من الأنصار: أُبَي بنُ كعب، وأَسعدُ بن زُرارة، وأُسيدُ بنُ حُضير، وأوس بن خولي ـ وهو الذي حضر غسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الأنصار ـ والبراءُ بن عازب، والبراءُ بن معرور، وثابتُ بن زيد، وثابتُ بن الضحاك، وثعلبةُ بنُ عبدالرحمن ـ وكان يخدم النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وجابرُ بنُ عبدالله، وجبّارُ بنُ صخر، والحارثُ بن خزمة، وحسانُ بن ثابت، وخوّاتُ بن جُبَير، ورافعُ بنُ خديج، ورافعُ بنُ مالك، ورِفاعةُ بن رافع، وزيدُ بن ثابت، وسالمُ بن عُمير، وسعدُ بن معاذ، وسلمةُ بن سلامة بنِ وَقْش، وسهل بن أبي حثمة، وسهلُ بن سعد الساعدي، وعاصمُ بنُ عَدي، وطلحةُ بن البراء، وعبدُ الله بن زيد ـ صاحب الأذان ـ وعبدالله بن زيد ابن عاصم، وعبدُ الله بن سَلام، وعبدُ الله بن سعد بن خيثمة وعبدُ الله ابن كعب بن زيد، وعمرُو بن حزم، وعُوَيْم بن ساعدة، وقتادةُ بن النعمان، وقيسُ بن سعد بن عبادة، وكعبُ بن عُجْرة، وكعبُ بن مالك، ومالكُ بن ربيعة، ومحمدُ بن مَسْلمة، ومعاذُ بن الحارث، ويزيدُ بن حارثة، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، وأبو طلحةَ الأنصاريُّ، وأبو عبس بنُ جابر، وأبو قتادةَ الأنصاريُّ، وأبو مسعود الأنصاريُّ، وأبو الهيثم بن التيهان، وأمُّ وَرَقة.(35). وغير هؤلاء كثير. (1). نسب قريش (393) الاستيعاب (3: 85، 96، 87) أسد الغابة (3: 495) الإصابة (1: 55) (4: 462) أنساب القرشيين (397) الجوهرة في نسب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه العشرة (1: 103 ـ 104) سير أعلام النبلاء (1: 154). (2). سنن أبي داود: كتاب الجنائز: باب في جمع الموتي في قبر والقبر يعلم، رقم (3206) والسنن البيهقي (3: 412) وتاريخ المدينة (1: 102). (3). سنن ابن ماجه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في العلامة في القبر، رقم (1561). (4). المعجم الكبير (1: 262 ـ 263) ومجمع الزوائد (9: 302). (5). مسند أحمد (1: 237 ـ 238) وتاريخ المدينة (1: 102 ـ 103) والمستدرك (3: 190) ومجمع الزوائد (9: 302) والحلية (1: 105). (6). مسند أحمد (1: 335) وتاريخ المدينة (1: 102 ـ 103) ومجمع الزوائد (9: 302) وحلية الأولياء (1: 105). (7). صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب ما يقال عند دخول المقابر والدعاء لأهلها، رقم (102). (8). سنن الترمذي: كتاب الجنائز: باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر، رقم (1053). (9). الموطأ: كتاب الطهارة: باب جامع الوضوء، رقم (28) ومسند أحمد (2: 300، 408) ومصنف عبدالرزاق (3: 575) وصحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، رقم (39) ورواه أصحاب السنن وغيرهم. (10). المعجم الكبير (2: 33) ومجمع الزوائد (3: 60) وعنه روايات أخري عند أحمد والحاكم وغيرهما. (11). انظر الاستذكار لابن عبدالبر (1: 233) وانظر روايات الحديث التالي عند مسلم وعند الحاكم أيضاً. (12). صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب استئذان النبي صلي الله عليه وآله وسلم ربه عزوجل في زيارة قبر أمه، رقم (108) وانظر المستدرك (1: 376) حيث صحح حديث بريدة علي شرط الشيخين، وأقره الذهبي أيضاً. وكان عدد الذين مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم قريباً من ألف راكب. وهو موجود في صحيح مسلم: في الباب ـ السابق مختصراً. (13). انظر: نظم المتناثر (80 ـ 81) إتحاف ذوي الفضائل (97) والمستدرك (1: 374 ـ 377) ومجمع الزوائد (3: 58 ـ 60) وجامع الأصول (11: 152 ـ 153) وقطف الأزهار (125 ـ 126) مع التعليق. (14). المستدرك (1: 376) ومجمع الزوائد (3: 58) وسنن ابن ماجه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في زيارة القبور، رقم (1570) ومصباح الزجاجة (2: 42) والسنن الكبري (4: 78). (15). صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب زيارة القبور. وصحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب في الصبر علي المصيبة عند الصدمة الأولي، رقم (15). (16). انظر فتح الباري (3: 148 ـ 151). (17). صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب ما يقال عند دخول المقابر والدعاء لأهلها. رقم (103). (18). الموطأ: كتاب الجنائز: باب جامع الجنائز، رقم (55) وسنن النسائي: كتاب الجنائز: باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين (4: 93) ومسند أحمد (6: 92) وتاريخ المدينة (1: 89 ـ 90، 91) وصحيح ابن حبان (6: 23 ـ 24) والمستدرك (1: 488). (19). مسند أحمد (6: 71، 76، 111) وتحفة الأشراف (11: 449) وسنن ابن ماجه: كتاب الجنائز: باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، رقم (1546) وتاريخ المدينة (1: 91). (20). مسند أحمد (3: 488 ـ 489، 489) المعجم الكبير (22: 346 ـ 347، 347 ـ 348) تاريخ المدينة (1: 86 ـ 87، 87) سنن الدارمي (1: 38 رقم 79) الكني للبخاري (73 ـ 74) الكني للدولابي (57 ـ 58، 58) الطبقات الكبري (2: 204) السيرة لابن هشام (4: 246 ـ 247) تركة النبي صلي الله عليه وآله وسلم (51 ـ 52) كشف الأستار (1: 408) المستدرك (3: 55 ـ56) مجمع الزوائد (9: 24) وانظر كنزالعمال (12: 262 ـ 263) حيث عزاه أيضا للبغوي وابن مندة وابن عساكر. (21). انظر: فتح الباري (10: 125) لبيان روايات حديث السيدة عائشة، وأنه كان بعد عودته من البقيع، فبديء بمرضه الذي توفي فيه صلي الله عليه وآله وسلم. (22). انظر: فتح الباري (3: 210). (23). فضائل الصحابة (1: 150، 231، 351) وسنن الترمذي: كتاب المناقب: باب في مناقب عمر بن الخطاب ، رقم (3692) وصحيح ابن حبان (9: 23 ( 24) والمستدرك (3: 68) (2: 465 ـ 466) والدلائل لأبي نعيم (1: 74) والمعجم الكبير (12: 305) والكامل لابن عدي (5: 1870، 1872) والجامع الصغير (1: 412 ـ 413) وتحفة الأشراف (5: 457) وانظر: الثقات لابن شاهين (151) والنهاية لابن كثير (1: 206) ووفاء الوفاء (3: 888). (24). انظر كنزالعمال (11: 433) وأخبار مدينة الرسول (150 ـ 151) ووفاء الوفاء (1: 50) (3: 888). (25). مسند الطيالسي (227) ومنحة المعبود (2: 206) وتاريخ المدينة (1: 91 ـ 93) الثقات لابن حبان (1: 269) المعجم الكبير (25: 181 ـ 182) والمستدرك (4: 68) وأخبار مدينة الرسول (50) ومسند الفردوس (5: 260) وفتح الباري (11: 413). (26). صحيح البخاري: كتاب الرقاق: باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب الدليل علي دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (367 ـ 370). (27). صحيح البخاري: في الكتاب والباب السابقين. وصحيح مسلم: في الكتاب والباب السابقين، رقم (371 ـ 374). (28). صحيح البخاري: في الكتاب والباب السابقين، وصحيح مسلم: في الكتاب والباب السابقين. (29). مسند أحمد (2: 359) وانظر مجمع الزوائد (10: 404 ـ 409). (30). انظر مجمع الزوائد (10: 404 ـ 411) وفتح الباري (11: 409 ـ 411). (31). سنن الترمذي: كتاب القيامة: باب منه، رقم (2437) وسنن ابن ماجه: كتاب الزهد: باب صفة أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، رقم (4286) ومسند أحمد (5: 250، 268) وصحيح ابن حبان (9: 184) والموارد، رقم (2642) ومصنف ابن أبي شيبة (11: 471) والمعجم الكبير (8: 129 ـ 130، 181 ـ 182، 187) ومجمع الزوائد (10: 362 ـ 363) وغيرها. (32). فتح الباري (11: 413). (33). انظر المقاصد الحسنة (238). (34). مسند أحمد (4: 16) وسنن ابن ماجه: كتاب الزهد: باب صفة أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، رقم (4285) ومسند الطيالسي (182 رقم 1291)، وصحيح ابن حبان (1: 217) ومجمع الزوائد (10: 408) ومصنف ابن أبي شيبة (11: 483) وكشف الأستار (4: 206 ـ 207) والمعجم الكبير (5: 43 ـ 45) من طرق. (35). انظر: عنوان النجابة في معرفة من باب بالمدينة المنورة من مشاهير الصحابة (23 ـ 270). |