جرائــم تدميـر الاثـارالاسـلاميــة

 

 

محاضرة للدكتور وليد البياتي عن تدمير الاثار الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة القيت في مركز مؤسسة الابرار- المملكة المتحدة - لندن .

المقدمة:

يمكن اعتبار التدمير المتعمد للاثار الاسلامية تدميرا للتراث الاسلامي ككل، فالتراث الاسلامي ليس مجرد تلك المواقع الاثرية، ولا المنشئات والمباني التاريخية التي شكلت احد الادلة التاريخية والانسانية على وجود ونهضة الحضارة الاسلامية، بل ان التراث يشمل ايضا النصوص النبوية (كل ما تم تسجيلة من احاديث وسنن الرسول الخاتم وآله الاطهار) فكل ما جرى من منع لتسجيل وتدوين الحديث النبوي في حياة الرسول الخاتم، وتحريف النصوص ثم جمع وحرق الاحاديث وما دون من السنن بعد وفاته صوات الله عليه وآله، وخاصة في عهد الخلفاء الثلاثة الاوائل لهو ايضا من جرائم المتعمدة لهدم وتضييع التراث الاسلامي، فابعاد اهل البيت عن مواقعهم هو تدمير للتراث، وتشريد اهل البيت عليهم السلام و شيعتهم هو تدمير للتراث، قتل الائمة عليهم هو تدمير للتراث، وتجريف قبر الامام الحسين في عصر المتوكل العباسي هو ايضا تدمير للتراث الاسلامي، أليس غريبا ان نجد أمة تدعي اتباعها للرسول الخاتم ثم تدمر وتبيد تراثه الشريف الذي هو عنوان للتراث والتاريخ الحضاري الاسلامي ككل، وما حدث في مكة لهو تأكيد واضح وجلي لمخطط تدمير التراث الاسلامي ولبقيع الغرقد حكاية اخرى تكشف مأساة وفاضعة ما احاق بتاريخ الرسالة السمحاء، وبعد كل ذلك فان تدمير الشخصية الاسلامية، وتمييع هويتها الاصيلة هو جزءمن المؤامرة الكبرى للقضاء على الاسلام الرسالي هوية وتاريخا وتراثا وحضارة، وسنحاول هنا ان نتعرف على هذه الجرائم، ونكشف ابعادها ونتائجها على حركة التاريخ الاسلامي والانساني.

مالذي حدث ويحدث في مكة المكرمة:

مكة البيت الحرام وموطن النبي اسماعيل عليه السلام ومزار خليل الله ابراهيم، ثم هي مولد النبي الاعظم صلوات الله عليه وآله الاطهار، حيث الكعبة بيت الله الحرام،حيث المدينة الجليلة شهدت احداثا جساما يندى لها جبين التاريخ خجلا، وترتعد منها فرائص الانسانية هولا،وفي الابواء التي هي قرية بين مكو والمدينة وتبعد عن المدينة المنورة 180/كم يذكر المؤرخون قبرا للسيد الجليلة آمنة بنت وهب أم النبي الخاتم صلوات الله عليه وآاه الاطهار، وكان الزوار من العراق وايران والبحرين ومصر يأتون اليه لزيارته والتبرك به محملين بالعطور والهدايا، فيمنعهم اهل الابواء بحجة ان عملهم مخالف لعقيد الوهابيين، وفي غفلة من التاريخ وبفتوى من مشايخ الوهابيين ةبتعاون من قبل اهل الابواء تتم مهاجمة القبر الشريف واحراقة ونبشه وتضييع معالمة( واني بصدد بحث تاريخي يحقق الموضوع واسال الله ان يعينني على نشره اتماما للحقيقة ودفاعا عن آل البيت الاطهار عليهم السلام)، اماجبانة المعلى في مكة، فيذكر بعض المؤرخين المتاخرين قبرا للسيد آمنة بنت وهب وقبرا للسيدة خديجة بنت خويلد وقبور لعبد المطلب جدي النبي الاكر ولابي طالب عم النبي وراعيه، اضافة الى قبور لعدد من الهاشميين وكلها كانت قد بنيت عليها الغرف ةالقباب المحترمة وشقت لها الطرقات للزيارة والتبرك بها اضافة الى الاوقاف التي اوقفت عليها، ولما جاء ابن السعود وتعاون مع الحركة الوهابية، تم تحريف عقائد الاسلام وعلى اثرها هدمت هذه القباب والمزارات، وسويت في الارض واختفى اثر الكثير منها فلم يعد له وجود، ووضعت الايدي

على الاوقاف وضيعت الاموال.

بقيع الغرقد.. اللغة والتاريخ:

البقيع لغة: الموضع من الارض فيه أروم الشجر( اي اصول وجذور الاشجار) وبه سمي بقيع الغرقد بالمدينة المنورة. وفي كتاب( العين) الغرقد: ضرب من الشجر(نوع من الاشجار)، وايضا: هوشجر له شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم ملازما للموضع ، وفي ( مجمع البحرين) البقيع من الارض: المكان المتسع، وقيل: لا يسمى بقيعا إلا وبه شجر او اصولها، ومنه بقيع الغرقد. ومنذ ان دفن رسول الله صلوات الله عليه وآله الصحابي الجليل عثمان بن مضعون وعلم مكانه بحجرين عند موضع رأسة و قدمية ودعا له، اصبح بقيع الغرقد مدفنا لاهل المدينة المنورة وموضعا للتبرك وخاصة بعد ان دفن فيه ابراهيم ابن النبي الاكرم صلوات الله عليه وآله الاطهار، والبقيع صار مقبرة تتصف بالقدسية والخصوصية فدفن فيها زوجات الرسول( ماعدا السيدة خديجة) وعماته واعمامه ثم الكثير من آله الاطهارعليهم السلام وخاصة ان اربعة من الائمة الاثني عشر قد دفنوا هناك وهم:

اولا: الامام الحسن المجتبى بن الامام امير المؤمنين عليهما السلام استشهد (50 للهجرة).

ثانيا: الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام اسشهد (94 للهجرة).

ثالثا: الامام محمد بن علي الباقر اسشهد (114 للهجرة).

رابعا: الامام جعفر بن محمد الصادق استشهد (148 للهجرة).

بمرورالزمن اكتسب بقيع الغرقد اهمية تاريخية ودينة ليس فقط باعتباره مقبرة دفن فيها جلة متقدمي المسلمين من أهل بيت النبوة الاطهار وممن عاصروا الرسول الاعظم وصاحبوه وخاصة نسائه واعمامه وعماته رضوان الله عليهم، بل لانه يمثل تجسيدا واقعيا لواحدة من اهم مراحل التاريخ النبوي والاسلامي على السواء، ومن هنا نجد اهمية الحفاظ علية وصيانته من العبث والتدمير، ولخصوصية بقيع الغرقد ولعظمة من دفن فيه قام المسلمون في كل العصور السابقة للحركة الوهابية السلفية بالاهتمام الكبير بالبقيع وببناء القباب على القبور الشهيرة تعظيما واكراما لهم من امثال قبور الائمة الاربعة السابق ذكرهم الذين اشتهروا بائمة البقيع، والاهتمام بقبور زوجات النبي وعماته واعمامه وببقية آله واصحابة رضوان الله عيهم فبنيت القباب ووجدت الطرق للزيارات التي اخذت تتعاظم بمرور الزمن، كا اوقفت الاوقاف الخاصة للصرف على المراقد المقدسة في البقيع تأكيدا في الاهتمام بالارث النبوي والاسلامي، باعتبارهما ارثا حضاريا يخص البشرية جمعاء وليس المسلمين فحسب، ولكرامة البقيع على المسلمين عرف بجنة البقيع وربما هذه التسمية جاءت من حديث الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله الاطهار وهو يقول:( أن بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) وقد استمر الاهتمام بالبقيع حتى قامت الحركة الوهابية بتهديم التراث الاسلامي في العشرينات من القرن الماضي

تاريخ تهديم التراث الاسلامي وبقيع الغرقد:

منذ ظهور الحركة الوهابية سنة 1143هجرية/ 1722 ميلادية على يد مؤسسها محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي قامت هذه الحركة التي تتبع عقيدة سلفية منحطة بمهاجمة كل المناطق الاسلامية المجاورة لها في شبه الجزيرة العربية، وخارجها ومن اشهر ما قامت به من اعمال شائنة يندى لها جبين التاريخ الاسلامي ما يلي:

1- في 18/ ذي الحجة/ 1216 المصادف 22 نيسان 1801 هاجم الوهابيون بقيادة ملكهم سعود بن عبد العزيزمدينة كربلاء المقدسة فنهبوا القبر الشريف واضرموا به النيران وقتلوا كل من كان فيه.

2- بعد سنتين وفي1218 /1803 هاجموا النجف الاشرف ومرقد امير المؤمنين عليه السلام ولكن دفاع اهل النجف عن مدينتهم احبط الهجوم وردهم خائبين وبالكاد سلمت القبة الشريفة من الاذى .

3- وفي عام1218 /1806 هاجموا كربلاء مرة ثانية لكن اهل كربلاء كانوا قد استعدوا لهم فاحبطوا هجومهم الاجرامي.

4- في بدايات القرن العشرين وبالتحديد في عام 1923 بدات الحركة الوهابية بتنفيذ احد اكثر مخططاتها اجرامية وانحطاطا، الا وهوتدمير وتجريف القبور والمراقد المقدسة في منطقة بقيع الغرقد، فكانت البداية بارسال شراذمهم لتنفيذ فتاوى فاسدة تدعو لهدم كل المباني والمنشئآت التي بنيت على القبور الشريفة، فأرادوا البدء بقبر الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله وكادوا ان يهدموا القبر الشريف وقبته لولا كثرة دعاوى المسلمين في الهند وايران والعراق وارسال الرسائل والوفود لمنعهم من ارتكاب جريمة تاريخية واسلامية لم تعرف لها الانسانية مثيلا، فكيف يمكن لامة ان تهدم تراث نبيها؟؟

واي نبي اليس هوخاتم الانبياء والرسل؟؟

فاي فكر فاسد هذا؟؟

واية عقيدة منحطة تدعو الى هدم التراث النبوي ؟؟

وبعد ان عرف العالم الاسلامي بالنوايا الخبيثة والفتاوى الفاسدة للحركة الوهابية، وبعد كل هذه المحاولات الجادة تمكن المسلمون من الوقوف بوجه الجريمة الوهابية، غيران الحركة الوهابية وبعد فشلها في محاولة هدم قبر الرسول الخاتم نتيجة للضغط الاسلامي، وجهت هذه الحركة شراذمها لهدم القبور والقباب التي بنيت عليها والمباني والمنشئات التي كانت تمثل جنة البقيع، وبتهديم وتجريف مستمر تمت تسوية مقبرة البقيع مع الارض، وازيلت كل معالمها التاريخية، وامعانا في الجرم تمت ازالة الحدود القديمة لجنة البقيع والحق بها ما كان خارجا عنها استهانة بالتاريخ الاسلامي، وتحقيقا لدعاوى وافكار فاسدة، فكما تم في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان من الحاق وتقريب كل من ابعده الرسول الاعظم صلوات الله عليه وآله، جاء هؤلاء ليكشفوا عن وضاعة الفكر الذي تبنوه وارادوا فرضه على الاخرين بالقوة، وقبل ذلك وفي خطة سرية لم يكتشفها الاعلام الا بعد فوات الاوان تم تدمير الكثير من المباني التاريخية في احياء مكة القديمة كما ذكرنا سابقا، بل وان معالم مكة المكرمة تتغير يوميا بحجة التوسعة وانشاء بعض المرافق والمشئات هنا وهناك، ففي الوقت الذي تهتم به الانسانية في تكريم عظمائها ومشاهيرها فتحول بيوتهم ومناطق سكناهم الى متاحف ومزارات تعبيرا عن الاعتراف بفضل هؤلاء في اغناء الفكر الانساني من النواحي العلمية والفكرية والادبية، بل كم من شاعر مغمور او رسام فاشل صار بيته متحفا يحج اليه السواح من كل مكان، نجد ان الحركة الوهابية السلفية تتبنى العكس وبدلا من ان تفتخر بتواجدها على ارض الرسالة الخاتم نراها تجهد في تقويض وهدم كل ما له علاقة بالرسالة وصاحبها.

كيف يمكن حماية التراث:

إن السكوت عن الجرائم الوهابية بحق التراث الاسلامي سيعني مزيدا من الامعان في تهديم ما بقي منه، فالعقائد الفاسدة تنتشر كجراثيم تنخر الفكر الاسلامي، والتهديم المتعمد و المتكرر للاثار الاسلامية في الجزيرة العربية يشكل خطرا مستمرا على التراث الاسلامي وهذا يعني اننا لن نجد بعد بضعة سنوات اثرا يخص الرسول وآله الاطهار بل لن نجد اثرا اسلاميا هناك، ولولا ان الكعبة المقدسة تمثل دخلا ماليا لايستهان به لربما سيأتي يوم ولن نجد لها اثرا وستصبح جزءا من حكايا التاريخ، أن حماية التراث عمل لا يقوم به شخص مفرد، وهو لا يمكن انيكون نتاج لجهد فردي، بل انه مسؤولية جماعية يشكل الوعي احد اهم مقوماتها، لقد قدمت شخصيا العديد من الطلبات الى منظمة اليونسكو للثقافة باعتبار الاثار الاسلامية في الجزيرة العربية وفي العراق ومصر والشام وايران جزءا من الارث الانساني الذي يجب حمايتة والحفاظ عليه ضمن قوانين دولية تمنع هدمه وازالته اوالتصرف فيه خارج ما ينص عليه قانونا، والحقيقة ان جهودنا لم تلق النجاح لربما لان معظمها كان جهدا فرديا، كما ان منظمة حماية التراث وهي منظمة دولية قامت بالعمل نفسه وقد واجهنا في المنظمة معارضة شديدة من قبل الحكومة السعودية، التي تدعي باطلا ان تهديم الاثارهوعمل شرعي نصت عليه العقيدة الاسلامية من وجهة نظر الفكر الوهابي السلفي، وهنا يحق لنا التساؤل:

كيف هرع عدد من رجال الفكر والدين وكان منهم الشيخ القرضاوي الى افغانستان لمطالبة حكومة طالبان بعدم تدمير تمثالي بوذا الشهيرين في حين انهم يغضون الطرف عن تدمير التراث الاسلامي وخاصة مقبرة البقيع، فايهما اكثر تماسا بالحضارة الاسلامية؟؟

ان الحفاظ على التراث الاسلامي هو واجب اسلامي قبل ان يكتسب الصفة الانسانية، وحيث ان الرسالة هي خاتمة الرسالات السماوية ولشمولية مناهجها ولكون انها جائت للبشرية جمعاء فان الانسانية ككل تشترك في المسؤولية الجماعية للحفاظ على التراث والارث الاسلامي، من الخطأ بل من الاجحاف ان نرى تمجيد وتعظيم كل ماهو فاسد، وافساد كل ما هو عظيم، اننا جميعا بحاجة الى المزيد من المعرفة بتراثنا وفكرنا الاسلامي، اننا بحاجة الى تطوير مفاهيم العقل الجمعي فيما يخص التراث الاسلامي، فالحفاظ عليه ليس مسؤولة اصحاب الاختصاص فقط بل انها مسؤولية مشتركة، والا سنجد انفسنا يوما منسلخين عن حضارتنا وعن تراثنا بعد تزايد العبث المتعمد بالتراث والفكر الاسلامي من هنا وهناك، وعلى كل من تعمد تهديم الاثار الاسلامية ان يتحمل المسؤولية القانونية التي تترتب على افعالة باعتبارها جرائم ضد الانسانية، وما حادث سامراء منا ببعيد.

واذا كانت الامم والشعوب تهتم بتخليد تراث عظمائها، فأن تراث اعظم شخصية في التاريخ الانساني الا وهو الرسول الاعظم صلوات الله عليه وآله لهو اجدر بالحفاظ عليه وصيانته، وهنا يحق لنا ان نسأل آل سعود من اباح لهم الحفاظ على تراث ملكهم ومؤسس دولتهم في متاحف خاصة حفظت فيه آثاره وملابسه واسلحته بل وحتى سيارته الشخصية، افليس هذا مخالف للشرع في عقيدتهم؟؟

ام انهم خارج حدود الشرع والقانون؟؟

هذا جهد بسيط وما توفيقنا الا بالله.

د. وليد سعيد البياتي

albayatiws@hotmail.com

المملكة المتحدة – لندن

18/5/ 2006

aliraqi.org